للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البدع بنقله [١] العلم من الكتب من غير مفتاح المعلّمين. وقد فعل ذلك ابن حزم بالأندلس على علوّ رتبته في حفظ الحديث وصار إلى مذهب أهل الظّاهر ومهر فيه باجتهاد زعمه في أقوالهم. وخالف إمامهم داود وتعرّض للكثير من الأئمّة المسلمين فنقم النّاس ذلك عليه وأوسعوا مذهبه استهجانا وإنكارا، وتلقّوا كتبه بالإغفال والتّرك حتّى إنّها ليحصر بيعها بالأسواق وربّما تمزّق في بعض الأحيان. ولم يبق إلا مذهب أهل الرّأي من العراق وأهل الحديث من الحجاز.

فأمّا أهل العراق فإمامهم الّذي استقرّت عنده مذاهبهم أبو حنيفة النّعمان بن ثابت ومقامه في الفقه لا يلحق شهد له بذلك أهل جلدته وخصوصا مالك والشّافعيّ. وأمّا أهل الحجاز فكان إمامهم مالك ابن أنس الأصبحيّ إمام دار الهجرة رحمه الله تعالى واختصّ بزيادة مدرك آخر للأحكام غير المدارك المعتبرة عند غيره وهو عمل أهل المدينة لأنّه رأى أنّهم فيما ينفسون [٢] عليه من فعل أو ترك متابعون لمن قبلهم ضرورة لدينهم واقتدائهم، وهكذا إلى الجبل المباشرين لفعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الآخذين ذلك عنه. وصار ذلك عنده من أصول الأدلّة الشّرعيّة. وظنّ كثير أنّ ذلك من مسائل الإجماع فأنكره لأنّ دليل الإجماع لا يخصّ أهل المدينة من سواهم بل هو شامل للأمّة. واعلم أنّ الإجماع إنّما هو الاتّفاق على الأمر الدّينيّ عن اجتهاد. ومالك رحمه الله تعالى لم يعتبر عمل أهل المدينة من هذا المعنى وإنّما اعتبره من حيث اتّباع الجيل بالمشاهدة للجيل إلى أن ينتهي إلى الشّارع صلوات الله وسلامه عليه.

وضرورة اقتدائهم بعين ذلك يعمّ الملّة [٣] ذكرت في باب الإجماع والأبواب بها من حيث ما فيها من الاتّفاق الجامع بينها وبين الإجماع. إلّا أنّ اتّفاق أهل


[١] وفي نسخة أخرى: بتلقيه.
[٢] وفي نسخة أخرى: يتفقون.
[٣] وفي النسخة الباريسية: (تعين ذلك نعم المسألة) وهو تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>