الإجماع عن نظر واجتهاد في الأدلّة واتّفاق هؤلاء في فعل أو ترك مستندين إلى مشاهدة من قبلهم. ولو ذكرت المسألة في باب فعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتقريره أو مع الأدلّة المختلف فيها مثل مذهب الصّحابيّ وشرع من قبلنا والاستصحاب لكان أليق بها ثمّ كان من بعد مالك بن أنس محمّد بن إدريس المطّلبيّ الشّافعيّ رحمهما الله تعالى. رحل إلى العراق من بعد مالك ولقي أصحاب الإمام أبي حنيفة وأخذ عنهم ومزج طريقة أهل الحجاز بطريقة أهل العراق واختصّ بمذهب، وخالف مالكا رحمه الله تعالى في كثير من مذهبه. وجاء من بعدهما أحمد بن حنبل رحمه الله. وكان من علية المحدّثين وقرأ أصحابه على أصحاب الإمام أبي حنيفة مع وفور بضاعتهم من الحديث فاختصّوا بمذهب آخر. ووقف التّقليد في الأمصار عند هؤلاء الأربعة ودرس المقلّدون لمن سواهم. وسدّ النّاس باب الخلاف وطرقه لمّا كثر تشعّب الاصطلاحات في العلوم. ولما عاق عن الوصول إلى رتبة الاجتهاد ولمّا خشي من إسناد ذلك إلى غير أهله ومن لا يوثق برأيه ولا بدينه فصرّحوا بالعجز والإعواز وردّوا النّاس إلى تقليد هؤلاء كلّ من اختصّ به من المقلّدين. وحظروا أن يتداول تقليدهم لما فيه من التّلاعب ولم يبق إلّا نقل مذاهبهم. وعمل كلّ مقلّد بمذهب من قلّده منهم بعد تصحيح الأصول واتّصال سندها بالرّواية لا محصول اليوم للفقه غير هذا. ومدّعي الاجتهاد لهذا العهد مردود على عقبه مهجور تقليده وقد صار أهل الإسلام اليوم على تقليد هؤلاء الأئمّة الأربعة. فأمّا أحمد بن حنبل فمقلّده قليل لبعد مذهبه عن الاجتهاد وأصالته في معاضدة الرّواية وللأخبار بعضها ببعض. وأكثرهم بالشّام والعراق من بغداد ونواحيها وهم أكثر النّاس حفظا للسّنّة ورواية الحديث وميلا بالاستنباط إليه عن القياس ما أمكن. وكان لهم ببغداد صولة وكثرة حتّى كانوا يتواقعون مع الشّيعة في نواحيها. وعظمت الفتنة من أجل ذلك ثمّ انقطع ذلك عند استيلاء التّتر عليها. ولم يراجع وصارت كثرتهم بالشّام. وأمّا أبو حنيفة فقلّده