للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليوم أهل العراق ومسلمة الهند والصّين وما وراء النّهر وبلاد العجم كلّها. ولمّا كان مذهبه أخصّ بالعراق ودار السّلام وكان تلميذه صحابة الخلفاء من بني العبّاس فكثرت تآليفهم ومناظراتهم مع الشّافعيّة وحسنت مباحثهم في الخلافيّات، وجاءوا منها بعلم مستظرف وأنظار غريبة وهي بين أيدي النّاس. وبالمغرب منها شيء قليل نقله إليه القاضي بن العربيّ وأبو الوليد الباجيّ في رحلتهما.

وأمّا الشّافعيّ فمقلّدوه بمصر أكثر ممّا سواها وقد كان انتشر مذهبه بالعراق وخراسان وما وراء النّهر وقاسموا الحنفيّة في الفتوى والتّدريس في جميع الأمصار.

وعظمت مجالس المناظرات بينهم وشحنت كتب الخلافيّات بأنواع استدلالاتهم. ثمّ درس ذلك كلّه بدروس المشرق وأقطاره. وكان الإمام محمّد بن إدريس الشّافعيّ لمّا نزل على بني عبد الحكم بمصر أخذ عنه جماعة منهم. وكان من تلميذه بها: البويطيّ والمزنيّ وغيرهم، وكان بها من المالكيّة جماعة من بني عبد الحكم وأشهب وابن القاسم وابن المواز وغيرهم ثمّ الحارس بن مسكين وبنوه ثمّ القاضي أبو إسحاق بن شعبان وأولاده. ثمّ انقرض فقه أهل السّنّة من مصر بظهور دولة الرّافضة وتداول بها فقه أهل البيت وتلاشى من سواهم [١] وارتحل إليها القاضي عبد الوهاب من بغداد، آخر المائة الرابعة على ما أعلم، من الحاجة والتقليب في المعاش. فتأذّن خلفاء العبيديّين بإكرامه، وإظهار فضله نعيا على بني العبّاس في اطّراح مثل هذا الإمام، والاغتباط به.

فنفقت سوق المالكيّة بمصر قليلا، إلى أن ذهبت دولة العبيديّين من الرّافضة على يد صلاح الدّين يوسف بن أيّوب فذهب منها فقه أهل البيت وعاد فقه الجماعة إلى الظّهور بينهم ورجع إليهم فقه الشّافعيّ وأصحابه من أهل العراق والشّام فعاد إلى أحسن ما كان ونفقت سوقه واشتهر منهم محيي الدّين النّوويّ من الحلبة الّتي ربيت في ظلّ الدّولة الأيّوبيّة بالشّام وعزّ الدّين بن عبد السّلام أيضا. ثمّ ابن


[١] وفي نسخة أخرى: وكاد من سواهم يتلاشوا ويذهبوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>