للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرّقعة بمصر وتقيّ الدّين بن دقيق العيد ثمّ تقيّ الدّين السّبكيّ بعدهما إلى أن انتهى ذلك إلى شيخ الإسلام بمصر لهذا العهد وهو سراج الدّين البلقينيّ فهو اليوم أكبر الشّافعيّة بمصر كبير العلماء بل أكبر العلماء من أهل العصر [١] . وأمّا مالك رحمه الله تعالى فاختصّ بمذهبه أهل المغرب والأندلس. وإن كان يوجد في غيرهم إلّا أنّهم لم يقلّدوا غيره إلّا في القليل لما أنّ رحلتهم كانت غالبا إلى الحجاز وهو منتهى سفرهم. والمدينة يومئذ دار العلم ومنها خرج إلى العراق ولم يكن العراق في طريقهم فاقتصروا عن الأخذ عن علماء المدينة. وشيخهم يومئذ وإمامهم مالك وشيوخه من قبله وتلميذه من بعده. فرجع إليه أهل المغرب والأندلس وقلّدوه دون غيره ممّن لم تصل إليهم طريقته. وأيضا فالبداوة كانت غالبة على أهل المغرب والأندلس ولم يكونوا يعانون الحضارة الّتي لأهل العراق فكانوا إلى أهل الحجاز أميل لمناسبة البداوة، ولهذا لم يزل المذهب المالكيّ غضّا عندهم، ولم يأخذه تنقيح الحضارة وتهذيبها كما وقع في غيره من المذاهب. ولمّا صار مذهب كلّ إمام علما مخصوصا عند أهل مذهبه ولم يكن لهم سبيل إلى الاجتهاد والقياس فاحتاجوا إلى تنظير المسائل في الإلحاق وتفريقها عند الاشتباه بعد الاستناد إلى الأصول المقرّرة من مذاهب إمامهم. وصار ذلك كلّه يحتاج إلى ملكة راسخة يقتدر بها على ذلك النّوع من التّنظير أو التّفرقة واتّباع مذهب إمامهم فيهما ما استطاعوا. وهذه الملكة هي علم الفقه لهذا العهد. وأهل المغرب جميعا مقلّدون لمالك رحمه الله. وقد كان تلاميذه افترقوا بمصر والعراق، فكان بالعراق منهم القاضي إسماعيل وطبقته مثل ابن خويز منداد وابن اللّبّان [٢] والقاضي وأبي بكر الأبهريّ والقاضي أبي حسين [٣] بن القصّار والقاضي عبد الوهّاب ومن بعدهم. وكان بمصر ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم


[١] وفي نسخة أخرى: فهو اليوم كبير الشافعية بمصر، لا بل كبير العلماء من أهل العصر.
[٢] وفي النسخة الباريسية: ابن المنتاب.
[٣] وفي النسخة الباريسية: أبو الحسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>