وعليه القاضي أبو بكر وإمام الحرمين. وقال الثّوريّ والشّعبيّ وجماعة من علماء السلف:«المتشابه، ما لم يكن سبيل إلى علمه، كشروط السّاعة وأوقات الإنذارات وحروف الهجاء في أوائل السّور، وقوله في الآية «هذه أم الكتاب» أي معظمه وغالبة والمتشابه أقلّه، وقد يردّ إلى المحكم. ثمّ ذمّ المتّبعين للمتشابه بالتّأويل أو بحملها على معان لا تفهم منها في لسان العرب الّذي خوطبنا به.
وسمّاهم أهل زيغ، أي ميل عن الحقّ من الكفّار والزّنادقة وجهلة أهل البدع. وأنّ فعلهم ذلك قصد الفتنة الّتي هي الشّرك أو اللّبس على المؤمنين أو قصدا لتأويلها بما يشتهونه فيقتدون به في بدعتهم.
ثمّ أخبر سبحانه بأنّه استأثر بتأويلها ولا يعلمه إلّا هو فقال: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا الله ٣: ٧. ثمّ أثنى على العلماء بالإيمان بها فقط. فقال: والراسخون في العلم يقولون آمنّا به. ولهذا جعل السلف والراسخون مستأنفا، ورجّحوه على العطف لأنّ الإيمان بالغيب أبلغ في الثناء ومع عطفه إنّما يكون إيمانا بالشاهد، لأنّهم يعلمون التأويل حينئذ فلا يكون غيبا. ويعضد ذلك قوله:«كُلٌّ من عِنْدِ رَبِّنا ٣: ٧» ويدلّ على أنّ التأويل فيها غير معلوم للبشر. إنّ الألفاظ اللغويّة إنّما يفهم. منها المعاني الّتي وضعها العرب لها، فإذا استحال إسناد الخبر إلى مخبر عنه جهلنا مدلول الكلام حينئذ، وإن جاءنا من عند الله فوّضنا علمه إليه ولا نشغل أنفسنا بمدلول نلتمسه، فلا سبيل لنا إلى ذلك. وقد قالت عائشة رضي الله عنها:«إذا رأيتم الّذين يجادلون في القرآن، فهم الّذين عنى الله» ، فاحذروهم.
هذا مذهب السّلف في الآيات المتشابهة. وجاء في السّنّة ألفاظ مثل ذلك محملها عندهم محمل الآيات لأنّ المنبع واحد.
وإذا تقرّرت أصناف المتشابهات على ما قلناه، فلنرجع إلى اختلاف الناس فيها. فأمّا ما يرجع منها على ما ذكروه إلى السّاعة وأشراطها وأوقات الإنذارات وعدد الزبانية وأمثال ذلك، فليس هذا والله أعلم من المتشابه، لأنّه لم يرد فيه