للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لفظ مجمل ولا غيره وإنّما هي أزمنة لحادثات استأثر الله بعلمها بنصّه [١] في كتابه وعلى لسان نبيّه. وقال: «إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ الله ٧: ١٨٧» . والعجب ممّن عدّدا من المتشابه. وأمّا الحروف المقطّعة في أوائل السّور فحقيقتها حروف الهجاء وليس ببعيد أن تكون مرادة. وقد قال الزمخشريّ: فيها إشارة إلى بعد الغاية في الإعجاز، لأنّ القرآن المنزل مؤلّف منها، والبشر فيها سواء، والتفاوت موجود في دلالتها بعد التأليف. وإن عدل عن هذا الوجه الّذي يتضمّن الدلالة على الحقيقة فإنّما يكون بنقل صحيح، كقولهم في طه، إنّه نداء من طاهر وهادي وأمثال ذلك. والنقل الصّحيح متعذّر، فيجيء المتشابه فيها من هذا الوجه. وأمّا الوحي والملائكة والرّوح والجنّ، فاشتباهها من حاء دلالتها الحقيقيّة لأنّها غير متعارفة، فجاء التشابه فيها من أجل ذلك. وقد ألحق بعض الناس بها كلّ ما في معناها من أحوال القيامة والجنّة والدّجّال والفتن والشروط، وما هو بخلاف العوائد المألوفة، وهو غير بعيد، إلّا أنّ الجمهور لا يوافقونهم عليه. وسيّما المتكلّمون فقد عيّنوا محاملها على ما تراه في كتبهم، ولم يبق من المتشابه إلّا الصفات الّتي وصف الله بها نفسه في كتابه وعلى لسان نبيّه، ممّا يوهم ظاهره نقصا أو تعجيزا.

وقد اختلف الناس في هذه الظواهر من بعد السّلف الّذين قرّرنا مذهبهم. وتنازعوا وتطرّقت البدع إلى العقائد. فلنشر إلى بيان مذاهبهم وإيثار الصّحيح منه على الفاسد فنقول، «وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ١١: ٨٨» : اعلم أنّ الله سبحانه وصف نفسه في كتابه بأنّه عالم، قادر، مريد، حيّ، سميع، بصير، متكلّم، جليل، كريم، جواد، منعم، عزيز، عظيم. وكذا أثبت لنفسه اليدين والعينين والوجه والقدم واللّسان، إلى غير ذلك من الصّفات: فمنها ما يقتضي صحّة ألوهيّة، مثل العلم والقدرة والإرادة، ثمّ الحياة الّتي هي شرط جميعها، ومنها ما هي صفة كمال، كالسمع والبصر والكلام، ومنها ما يوهم النقص كالاستواء والنزول والمجيء،


[١] كذا. وفي نسخة. بنعته.

<<  <  ج: ص:  >  >>