وكالوجه واليدين والعينين الّتي هي صفات المحدثات. ثمّ أخبر الشارع أنّا نرى ربّنا يوم القيامة كالقمر ليلة البدر، لا نضام في رؤيته كما ثبت في الصّحيح.
فأمّا السّلف من الصحابة والتابعين فأثبتوا له صفات الألوهيّة والكمال وفوّضوا إليه ما يوهم النقص ساكتين عن مدلوله. ثمّ اختلف الناس من بعدهم، وجاء المعتزلة فأثبتوا هذه الصفات أحكاما ذهنيّة مجرّدة، ولم يثبتوا صفة تقوم بذاته، وسمّوا ذلك توحيدا، وجعلوا الإنسان خالقا لأفعاله، ولا تتعلّق بها قدرة الله تعالى، سيّما الشرور والمعاصي منها، إذ يمتنع على الحكيم فعلها. وجعلوا مراعاة الأصلح للعباد واجبة عليه. وسمّوا ذلك عدلا، بعد أن كانوا أوّلا يقولون بنفي القدر، وأنّ الأمر كلّه مستأنف بعلم حادث وقدرة وإرادة كذلك، كما ورد في الصّحيح. وأنّ عبد الله بن عمر تبرّأ من معبد الجهنيّ وأصحابه القائلين بذلك. وانتهى نفي القدر إلى واصل بن عطاء الغزالي، منهم، تلميذ الحسن البصريّ، لعهد عبد الملك بن مروان. ثمّ آخرا إلى معمّر السّلميّ، ورجعوا عن القول به. وكان منهم أبو الهذيل العلّاف، وهو شيخ المعتزلة. أخذ الطّريقة عن عثمان بن خالد الطويل عن واصل. وكان من نفات القدر، واتّبع رأي الفلاسفة في نفي الصّفات الوجوديّة لظهور مذاهبهم يومئذ.
ثمّ جاء إبراهيم النظّام، وقال بالقدر، واتّبعوه. وطالع كتب الفلاسفة وشدّد في نفي الصّفات وقرّر قواعد الاعتزال. ثمّ جاء الجاحظ والكعبيّ والجبائيّ، وكانت طريقتهم تسمّى علم الكلام: إمّا لما فيها من الحجاج والجدال، وهو الّذي يسمّى كلاما، وإمّا أنّ أصل طريقتهم نفي صفة الكلام. فلهذا كان الشافعيّ يقول: حقّهم أن يضربوا بالجريد ويطاف بهم. وقرّر هؤلاء طريقتهم وأثبتوا منها وردّوا، إلى أن ظهر الشيخ أبو الحسن الأشعريّ وناظر بعض مشيختهم في مسائل الصلاح والأصلح، فرفض طريقتهم، وكان على رأي عبد الله بن سعيد بن كلاب وأبي العبّاس القلانسيّ والحرث ابن أسد المحاسبيّ من أتباع