الموجودات العلويّة والسّفليّة وحقائق الملك والرّوح والعرش والكرسيّ وأمثال ذلك. وقصرت مدارك من لم يشاركهم في طريقهم عن فهم أذواقهم ومواجدهم في ذلك. وأهل الفتيا بين منكر عليهم ومسلّم لهم. وليس البرهان والدّليل بنافع في هذا الطّريق ردّا وقبولا إذ هي من قبيل الوجدانيّات.
تفصيل وتحقيق: يقع كثيرا في كلام أهل العقائد من علماء الحديث والفقه أنّ الله تعالى مباين لمخلوقاته. ويقع للمتكلّمين أنّه لا مباين ولا متّصل. ويقع للفلاسفة أنّه لا داخل العالم ولا خارجة. ويقع للمتأخّرين من المتصوّفة أنّه متّحد بالمخلوقات: إمّا بمعنى الحلول فيها، أو بمعنى إنّه هو عينها، وليس هناك غيره جملة ولا تفصيلا. فلنبيّن تفصيل هذه المذاهب ونشرح حقيقة كلّ واحد منها، حتّى تتّضح معانيها فنقول، إنّ المباينة تقال لمعنيين:
أحدهما المباينة في الحيّز والجهة، ويقابله الاتّصال. ونشعر هذه المقابلة على هذه التّقيّد بالمكان إمّا صريحا وهو تجسيم، أو لزوما وهو تشبيه من قبيل القول بالجهة. وقد نقل مثله عن بعض علماء السلف من التّصريح بهذه المباينة، فيحتمل غير هذا المعنى. ومن أجل ذلك أنكر المتكلّمون هذه المباينة وقالوا: لا يقال في البارئ أنّه مباين مخلوقاته، ولا متّصل بها، لأنّ ذلك إنّما يكون للمتحيّزات. وما يقال من أنّ المحلّ لا يخلو عن الاتّصاف بالمعنى وضدّه، فهو مشروط بصحّة الاتّصاف أوّلا، وأمّا مع امتناعه فلا، بل يجوز الخلوّ عن المعنى وضدّه، كما يقال في الجماد، لا عالم ولا جاهل، ولا قادر ولا عاجز ولا كاتب ولا أمّي. وصحّة الاتّصاف بهذه المباينة مشروط بالحصول في الجهة على ما تقرّر من مدلولها. والبارئ سبحانه منزّه عن ذلك. ذكره ابن التّلمسانيّ في شرح اللّمع لإمام الحرمين وقال: «ولا يقال في البارئ مباين للعالم ولا متّصل به، ولا داخل فيه ولا خارج عنه. وهو معنى ما يقوله الفلاسفة أنّه لا داخل العالم ولا خارجة، بناء على وجود الجواهر غير المتحيّزة. وأنكرها