المعقولة والمتوهّمة أيضا مشروطة بوجود المدرك العقليّ فإذا الوجود المفصّل كلّه مشروط بوجود المدرك البشريّ. فلو فرضنا عدم المدرك البشريّ جملة لم يكن هناك تفصيل الوجود بل هو بسيط واحد فالحرّ والبرد والصّلابة واللّين بل والأرض والماء والنّار والسّماء والكواكب، إنّما وجدت لوجود الحواسّ المدركة لها لما جعل في المدرك من التّفصيل الّذي ليس في الموجود وإنّما هو في المدارك فقط فإذا فقدت المدارك المفصّلة فلا تفصيل إنّما هو إدراك واحد وهو أنا لا غيره. ويعتبرون ذلك بحال النّائم فإنّه إذا نام وفقد الحسّ الظّاهر فقد كلّ محسوس وهو في تلك الحالة إلّا ما يفصّله له الخيال. قالوا: فكذا اليقظان إنّما يعتبر تلك المدركات كلّها على التّفصيل بنوع مدركة البشريّ ولو قدّر فقد مدركة فقد التّفصيل وهذا هو معنى قولهم الموهم لا الوهم الّذي هو من جملة المدارك البشريّة. هذا ملخّص رأيهم على ما يفهم من كلام ابن دهقان وهو في غاية السّقوط لأنّا نقطع بوجود البلد الّذي نحن مسافرون عنه وإليه يقينا مع غيبته عن أعيننا وبوجود السّماء المظلّة والكواكب وسائر الأشياء الغائبة عنّا. والإنسان قاطع بذلك ولا يكابر أحد نفسه في اليقين مع أنّ المحقّقين من المتصوّفة المتأخّرين يقولون إنّ المريد عند الكشف ربّما يعرض له توهّم هذه الوحدة ويسمّى ذلك عندهم مقام الجمع ثمّ يترقّى عنه إلى التّمييز بين الموجودات ويعبّرون عن ذلك بمقام الفرق وهو مقام العارف المحقّق ولا بدّ للمريد عندهم من عقبة الجمع وهي عقبة صعبة لأنّه يخشى على المريد من وقوفه عندها فتخسر صفقته فقد تبيّنت مراتب أهل هذه الطّريقة ثمّ إنّ هؤلاء المتأخّرين من المتصوّفة المتكلّمين في الكشف وفيما وراء الحسّ توغّلوا في ذلك فذهب الكثير منهم إلى الحلول والوحدة كما أشرنا إليه وملئوا الصّحف منه مثل الهرويّ في كتاب المقامات له وغيره. وتبعهم ابن العربيّ وابن سبعين وتلميذهما ابن العفيف وابن الفارض والنّجم الإسرائيليّ في قصائدهم. وكان سلفهم مخالطين للإسماعيليّة