المتأخّرين من الرّافضة الدّائنين أيضا بالحلول وإلهيّة الأئمّة مذهبا لم يعرف لأوّلهم فأشرب كلّ واحد من الفريقين مذهب الآخر. واختلط كلامهم وتشابهت عقائدهم. وظهر في كلام المتصوّفة القول بالقطب ومعناه رأس العارفين.
يزعمون أنّه لا يمكن أن يساويه أحد في مقامه في المعرفة حتّى يقبضه الله. ثمّ يورّث مقامه لآخر من أهل العرفان. وقد أشار إلى ذلك ابن سينا في كتاب الإشارات في فضول التّصوّف منها فقال:«جلّ جناب الحقّ أن يكون شرعة لكلّ وارد أو يطّلع عليه إلّا الواحد بعد الواحد» . وهذا كلام لا تقوم عليه حجّة عقليّة.
ولا دليل شرعيّ وإنّما هو من أنواع الخطابة وهو بعينه ما تقوله الرّافضة ودانوا به. ثمّ قالوا بترتيب وجود الإبدال بعد هذا القطب كما قاله الشّيعة في النّقباء.
حتّى إنّهم لمّا أسندوا لباس خرقة التّصوّف ليجعلوه أصلا لطريقتهم ونحلتهم رفعوه إلى عليّ رضي الله عنه وهو من هذا المعنى أيضا. وإلّا فعليّ رضي الله عنه لم يختصّ من بين الصّحابة بتخلية ولا طريقة في لباس ولا حال. بل كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أزهد النّاس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأكثرهم عبادة. ولم يختصّ أحد منهم في الدّين بشيء يؤثر عنه في الخصوص بل كان الصّحابة كلّهم أسوة في الدّين والزّهد والمجاهدة.
تشهد بذلك سيرهم وأخبارهم، نعم إنّ الشيعة يخيّلون بما ينعلون من ذلك اختصاص عليّ (رضي الله عنه) بالفضائل دون من سواه من الصّحابة ذهابا مع عقائد التّشيّع المعروفة لهم. والّذي يظهر أنّ المتصوّفة بالعراق، لمّا ظهرت الإسماعيليّة من الشيعة، وظهر كلامهم في الإمامة وما يرجع إليها ما هو معروف، فاقتبسوا من ذلك الموازنة بين الظاهر والباطن وجعلوا الإمامة لسياسة الخلف في الانقياد إلى الشرع، وأفردوه بذلك أن لا يقع اختلاف كما تقرّر في الشّرع. ثمّ جعلوا القطب لتعليم المعرفة باللَّه لأنّه رأس العارفين، وأفردوه بذلك تشبيها بالإمام في الظاهر وأن يكون على وزانه في الباطن وسمّوه قطبا لمدار المعرفة