للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرائي البشارة من الله ممّا ألقى إليه في نومه: فمنها سرعة انتباه الرائي عند ما يدرك الرّؤيا، كأنّه يعاجل الرجوع إلى الحسّ باليقظة ولو كان مستغرقا في نومه، لتقل ما ألقي عليه من ذلك الإدراك فيفرّ من تلك الحالة إلى حالة الحسّ الّتي تبقى النفس فيها منغمسة بالبدن وعوارضه، ومنها ثبوت ذلك الإدراك ودوامه بانطباع تلك الرّؤيا بتفاصيلها في حفظه، فلا يتخلّلها سهو ولا نسيان.

ولا يحتاج إلى إحضارها بالفكر والتذكير، بل تبقى متصوّرة في ذهنه إذا انتبه.

ولا يغرب عنه شيء منها، لأنّ الإدراك النفسانيّ ليس بزمانيّ ولا يلحقه ترتيب، بل يدركه دفعة في زمن فرد. وأضغاث الأحلام زمانيّة، لأنّها في القوى الدماغيّة يستخرجها الخيال من الحافظة إلى الحسّ المشترك كما قلناه. وأفعال البدن كلّها زمانيّة فيلحقها الترتيب في الإدراك والمتقدّم والمتأخّر. ويعرض النسيان العارض للقوى الدّماغيّة. وليس كذلك مدارك النفس الناطقة إذ ليست بزمانيّة، ولا ترتيب فيها. وما ينطبع فيها من الإدراكات فينطبع دفعة واحدة في أقرب من لمح البصر. وقد تبقى الرّؤيا بعد الانتباه حاضرة في الحفظ أيّاما من العمر، لا تشذّ بالغفلة عن الفكر بوجه إذا كان الإدراك الأوّل قويا، وإذا كان إنّما يتذكّر الرّؤيا بعد الانتباه من النّوم بإعمال الفكر والوجهة إليها، وينسى الكثير من تفاصيلها حتّى يتذكّرها فليست الرّؤيا بصادقة، وإنّما هي من أضغاث الأحلام. وهذه العلامات من خواصّ الوحي. قال الله تعالى لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم «لا تُحَرِّكْ به لِسانَكَ لِتَعْجَلَ به، إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ ٧٥: ١٦- ١٩» والرّؤيا لها نسبة من النّبوّة والوحي كما في الصّحيح. قال صلّى الله عليه وسلّم «الرؤيا جزء من ستّة وأربعين جزءا من النّبوّة» فلخواصّها أيضا نسبة إلى خواصّ النّبوّة، بذلك القدر، فلا تستبعد ذلك، فهذا وجه الحقّ.

والله الخالق لما يشاء.

وأمّا معنى التّعبير فاعلم أنّ الرّوح العقليّ إذا أدرك مدركة وألقاه إلى الخيال

<<  <  ج: ص:  >  >>