للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصوّره فإنّما يصوّره في الصّور المناسبة لذلك المعنى بعض الشّيء كما يدرك معنى السّلطان الأعظم فيصوّره الخيال بصورة البحر أو يدرك العداوة فيصوّرها الخيال في صورة الحيّة. فإذا استيقظ وهو لم يعلم من أمره إلّا أنّه رأى البحر أو الحيّة فينظر المعبّر بقوّة التّشبيه بعد أن يتيقّن أنّ البحر صورة محسوسة وأنّ المدرك وراءها وهو يهتدي بقرائن أخرى تعيّن له المدرك فيقول مثلا: هو السّلطان لأنّ البحر خلق عظيم يناسب أن يشبّه بها السّلطان وكذلك الحيّة يناسب أن تشبّه بالعدوّ لعظم ضررها وكذا الأواني تشبّه بالنّساء لأنّهنّ أوعيّة وأمثال ذلك. ومن المرئيّ ما يكون صريحا لا يفتقر إلى تعبير لجلائها ووضوحها أو لقرب الشّبه [١] فيها بين المدرك وشبهه. ولهذا وقع في الصّحيح الرؤيا ثلاث:

رؤيا من الله ورؤيا من الملك ورؤيا من الشّيطان. فالرّؤيا الّتي من الله هي الصّريحة الّتي لا تفتقر إلى تأويل والّتي من الملك هي الرّؤيا الصّادقة تفتقر إلى التّعبير [٢] والرّؤيا الّتي من الشّيطان هي الأضغاث. واعلم أنّ الخيال إذا ألقى إليه الرّوح مدركة. فإنّما يصوّره في القوالب المعتادة للحسّ وما لم يكن الحسّ أدركه قطّ من القوالب فلا يصوّر فيه شيئا فلا يمكن من ولد أعمى أن يصوّر له السّلطان بالبحر ولا العدوّ بالحيّة ولا النّساء بالأواني لأنّه لم يدرك شيئا من هذه وإنّما يصوّر له الخيال أمثال هذه في شبهها ومناسبها من جنس مداركه الّتي هي المسموعات والمشمومات. وليتحفّظ المعبّر من مثل هذا فربّما اختلط به التّعبير وفسد قانونه. ثمّ إنّ علم التّعبير علم بقوانين كلّيّة يبني عليها المعبّر عبارة ما يقصّ عليه. وتأويله كما يقولون: البحر يدلّ على السّلطان، وفي موضع آخر يقولون: البحر يدلّ على الغيظ، وفي موضع آخر يقولون: البحر يدلّ على الهمّ والأمر الفادح. ومثل ما يقولون: الحيّة تدلّ على العدوّ، وفي موضع آخر


[١] وفي نسخة أخرى: النسبة.
[٢] وفي النسخة الباريسية: إلى تأويل.

<<  <  ج: ص:  >  >>