الادلة بتمهيد قواعد وأصول هي كالمقدّمات لها مثل إثبات الجوهر الفرد والزمن الفرد والخلاء بين الأجسام ونفي الطبيعة والتركيب العقليّ للماهيّات. وأنّ العرض لا يبقى زمنين وإثبات الحال وهي صفة لموجود، لا موجودة ولا معدمة وغير ذلك من قواعدهم الّتي بنوا عليها أدلّتهم الخاصّة. ثمّ ذهب الشيخ أبو الحسن، والقاضي أبو بكر والأستاذ أبو إسحاق إلّا أنّ أدلّة العقائد منعكسة بمعنى أنّها إذا بطلت بطل مدلولها. ولهذا رأى القاضي أبو بكر أنّها بمثابة العقائد والقدح فيها قدح في العقائد لابتنائها عليها. وإذا تأمّلت المنطق وجدته كلّه يدور على التركيب العقليّ، وإثبات الكلّي الطّبيعيّ في الخارج لينطبق عليه الكلّيّ الذهنيّ المنقسم إلى الكلّيّات الخمس، الّتي هي الجنس والنّوع والفصل والخاصّة والعرض العامّ، وهذا باطل عند المتكلّمين. والكلّي والذاتي عندهم إنّما اعتبار ذهني ليس في الخارج ما يطابقه، أو حال عند من يقول بها فتبطل الكلّيّات الخمس والتّعريف المبنيّ عليها. والمقولات العشر، ويبطل العرض الذاتيّ، فتبطل ببطلانه القضايا الضروريّة الذاتيّة المشروطة في البرهان وتبطل المواضع الّتي هي لباب كتاب الجدل. وهي الّتي يؤخذ منها الوسط الجامع بين الطّرفين في القياس، ولا يبقى إلّا القياس الصّوريّ، ومن التعريفات المساوئ في الصادقيّة على أفراد المحمود، لا يكون أعمّ منها، فيدخل غيرها، ولا أخصّ فيخرج بعضها، وهو الّذي يعبّر عنه النحاة بالجمع والمنع والمتكلّمون بالطرد والعكس، وتنهدم أركان المنطق جملة. وإن أثبتنا هذه كما في علم المنطق أبطلنا كثيرا من مقدّمات المتكلّمين فيؤدّي إلى إبطال أدلّتهم على العقائد كما مرّ. فلهذا بالغ المتقدّمون من المتكلّمين في النكير على انتحال المنطق وعدّه بدعة أو كفرا على نسبة الدليل الّذي يبطل. والمتأخّرون من لدن الغزاليّ لما أنكروا انعكاس الأدلّة، ولم يلزم عندهم من بطلان الدليل بطلان مدلوله، وصحّ عندهم رأي أهل المنطق في التركيب العقليّ ووجود الماهيات الطبيعيّة وكلّياتها