للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جهة التّصوّرات النّفسانيّة أخرى كالّذي يقع من قبل التّوهّم. فإنّ الماشي على حرف حائط أو حبل منتصب إذا قوي عنده توهّم السّقوط سقط بلا شكّ. ولهذا تجد كثيرا من النّاس يعوّدون أنفسهم ذلك بالدربة عليه حتّى يذهب عنهم هذا الوهم فتجدهم يمشون على حرف الحائط والحبل المنتصب ولا يخافون السّقوط.

فثبت أنّ ذلك من آثار النّفس الإنسانيّة وتصوّرها للسّقوط من أجل الوهم. وإذا كان ذلك أثرا للنّفس في بدنها من غير الأسباب الجسمانيّة الطّبيعيّة فجائز أن يكون لها مثل هذا الأثر في غير بدنها إذ نسبتها إلى الأبدان في ذلك النّوع من التّأثير واحدة لأنّها غير حالّة في البدن ولا منطبعة فيه فثبت أنّها مؤثّرة في سائر الأجسام. وأمّا التّفرقة عندهم بين السّحر والطّلسمات فهو أنّ السّحر لا يحتاج السّاحر فيه إلى معين وصاحب الطّلسمات يستعين بروحانيّات الكواكب وأسرار الأعداد وخواصّ الموجودات وأوضاع الفلك المؤثّرة في عالم العناصر كما يقوله المنجّمون ويقولون: السّحر اتّحاد روح بروح والطّلسم اتّحاد روح بجسم ومعناه عندهم ربط الطّبائع العلويّة السّماويّة بالطّبائع السّفليّة، والطّبائع العلويّة هي روحانيّات الكواكب ولذلك يستعين صاحبه في غالب الأمر بالنّجامة. والسّاحر عندهم غير مكتسب لسحره بل هو مفطور عندهم على تلك الجبلّة المختصّة بذلك النّوع من التّأثير. والفرق عندهم بين المعجزة والسّحر أنّ المعجزة قوّة إلهيّة تبعث على النّفس ذلك التّأثير فهو مؤيّد بروح الله على فعله ذلك. والسّاحر إنّما يفعل ذلك من لدن نفسه وبقوّته النّفسانيّة وبإمداد الشّياطين في بعض الأحوال فبينهما الفرق في المعقوليّة والحقيقة والذّات في نفس الأمر وإنّما نستدلّ نحن على التّفرقة بالعلامات الظّاهرة وهي وجود المعجزة لصاحب الخير وفي مقاصد الخير وللنّفوس المتمحّصة [١] للخير والتّحدّي بها على دعوى النّبوة. والسّحر إنّما يوجد لصاحب الشّرّ وفي أفعال الشّرّ في الغالب من التّفريق بين الزّوجين وضرر الأعداء


[١] وفي النسخة الباريسية: المتمحضة.

<<  <  ج: ص:  >  >>