أرادوا بذلك نفي الآفات الّتي معها فتجمع على الجسد آفتين فتكون أسرع لهلاكه.
وكذلك كلّ شيء إنّما يتلاشى ويفسد من ذاته لتضادّ طبائعه واختلافه فيتوسّط بين شيئين فلم يجد ما يقوّيه ويعينه إلّا قهرته الآفة وأهلكته. واعلم أنّ الحكماء كلّها ذكرت ترداد الأرواح على الأجساد مرارا ليكون ألزم إليها وأقوى على قتال النّار إذا هي باشرتها عند الألفة أعني بذلك النّار العنصريّة فاعلمه. ولنقل الآن على الحجر الّذي يمكن منه العمل على ما ذكرته الفلاسفة فقد اختلفوا فيه فمنهم من زعم أنّه في الحيوان ومنهم من زعم أنّه في النّبات ومنهم من زعم أنّه في المعادن ومنهم من زعم أنّه في الجميع. وهذه الدّعاوى ليست بنا حاجة إلى استقصائها ومناظرة أهلها عليها لأنّ الكلام يطول جدّا وقد قلت فيما تقدّم إنّ العمل يكون في كلّ شيء بالقوّة لأنّ الطّبائع موجودة في كلّ شيء فهو كذلك فنريد أن تعلم من أيّ شيء يكون العمل بالقوّة والفعل فنقصد إلى ما قاله الحرّانيّ إنّ الصّبغ كلّه أحد صبغين: إمّا صبغ جسد كالزّعفران في الثّوب الأبيض حتّى يحول فيه وهو مضمحلّ منتقض التّركيب، والصّبغ الثاني تقليب الجوهر من جوهر نفسه إلى جوهر غيره ولونه كتقليب الشّجر بل التّراب إلى نفسه وقلب الحيوان والنّبات إلى نفسه حتّى يصير التّراب نباتا والنّبات حيوانا ولا يكون إلّا بالرّوح الحيّ والكيان الفاعل الّذي له توليد الأجرام وقلب الأعيان. فإذا كان هذا هكذا فنقول إنّ العمل لا بدّ أن يكون إمّا في الحيوان وإمّا في النّبات وبرهان ذلك أنّهما مطبوعان على الغذاء وبه قوامهما وتمامهما. فأمّا النّبات فليس فيه ما في الحيوان من اللّطافة والقوّة ولذلك قلّ خوض الحكماء فيه. وأمّا الحيوان فهو آخر الاستحالات الثّلاث ونهايتها وذلك أنّ المعدن يستحيل نباتا والنّبات يستحيل حيوانا والحيوان لا يستحيل إلى شيء هو الطف منه إلّا أن ينعكس راجعا إلى الغلظ وأنّه أيضا لا يوجد في العالم شيء تتعلّق فيه الرّوح الحيّة غيره والرّوح الطف ما في العالم ولم تتعلّق الرّوح بالحيوان إلّا بمشاكلته إيّاها. فأمّا الرّوح الّتي في النّبات فإنّها