للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسيرة فيها غلظ وكثافة وهي مع ذلك مستغرقة كامنة فيه لغلظها وغلظ جسد النّبات فلم يقدر على الحركة لغلظه وغلظ روحه. والرّوح المتحرّكة ألطف من الرّوح الكامنة كثيرا وذلك أنّ المتحرّكة لها قبول الغذاء والتّنقّل والتّنفّس وليس للكامنة غير قبول الغذاء وحده. ولا تجري إذا قيست بالرّوح الحيّة إلّا كالأرض عند الماء. كذلك النّبات عند الحيوان فالعمل في الحيوان أعلى وأرفع وأهون وأيسر. فينبغي للعاقل إذا عرف ذلك أن يجرّب ما كان سهلا ويترك ما يخشى فيه عسرا. واعلم أنّ الحيوان عند الحكماء ينقسم أقساما من الأمّهات الّتي هي الطّبائع والحديثة الّتي هي المواليد وهذا معروف متيسّر الفهم فلذلك قسمت الحكماء العناصر والمواليد أقساما حيّة وأقساما ميتة فجعلوا كلّ متحرّك فاعلا حيّا وكلّ ساكن مفعولا ميتا. وقسموا ذلك في جميع الأشياء وفي الأجساد الذّائبة وفي العقاقير المعدنيّة فسمّوا كلّ شيء يذوب في النّار ويطير ويشتعل حيّا وما كان على خلاف ذلك سمّوه ميتا فأمّا الحيوان والنّبات فسمّوا كلّ ما انفصل منها طبائع أربعا حيّا وما لم ينفصل سمّوه ميتا ثمّ إنّهم طلبوا جميع الأقسام الحيّة. فلم يجدوا لوفق هذه الصّناعة ممّا ينفصل فصولا أربعة ظاهرة للعيان ولم يجدوا غير الحجر الّذي في الحيوان فبحثوا عن جنسه حتّى عرفوه وأخذوه ودبّروه فتكيّف لهم منه الّذي أرادوا. وقد يتكيّف مثل هذا في المعادن والنّبات بعد جمع العقاقير وخلطها ثمّ تفصل بعد ذلك. فأمّا النّبات فمنه ما ينفصل ببعض هذه الفصول مثل الأشنان [١] وأمّا المعادن ففيها أجساد وأرواح وأنفاس إذا مزجت ودبّرت كان منها ما له تأثير. وقد دبّرنا كلّ ذلك فكان الحيوان منها أعلى وأرفع وتدبيره أسهل وأيسر. فينبغي لك أن تعلم ما هو الحجر الموجود في الحيوان وطريق وجوده. إنّا بيّنّا أنّ الحيوان أرفع المواليد وكذا ما تركّب منه فهو ألطف منه


[١] الأشنان: ما تغسل به الأيدي من الحمض. والأشنة شيء نباتي يتكون على الشجر والصخور (القاموس) .

<<  <  ج: ص:  >  >>