للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالنّبات من الأرض. وإنّما كان النّبات ألطف من الأرض لأنّه إنّما يكون من جوهره الصّافي وجسده اللّطيف فوجب له بذلك اللّطافة والرّقة. وكذا هذا الحجر الحيوانيّ بمنزلة النّبات في التّراب. وبالجملة فإنّه ليس في الحيوان شيء ينفصل طبائع أربعا غيره فافهم هذا القول فإنّه لا يكاد يخفى إلّا على جاهل بيّن الجهالة ومن لا عقل له. فقد أخبرتك ماهيّة هذا الحجر وأعلمتك جنسه وأنّا أبيّن لك وجوه تدابيره حتّى يكمل الّذي شرطناه على أنفسنا من الإنصاف إن شاء الله سبحانه» ..

(التدبير على بركة الله) خذ الحجر الكريم فأودعه القرعة والإنبيق وفصّل طبائعه الأربع الّتي هي النّار والهواء والأرض والماء وهي الجسد والصّبغ فإذا عزلت الماء عن التّراب والهواء عن النّار فارفع كلّ واحد في إنائه على حدة وخذ الهابط أسفل الإناء وهو الثّفل [١] فاغسله بالنّار الحارّة حتّى تذهب النّار عنه سواده ويزول غلظه وجفاؤه وبيّضه تبييضا محكما وطيّر عنه فضول الرّطوبات المستجنّة فيه فإنّه يصير عند ذلك ماء أبيض لا ظلمة فيه ولا وسخ ولا تضادّ. ثمّ اعمد إلى تلك الطّبائع الأوّل الصّاعدة منه فطهّرها أيضا من السّواد والتّضادّ وكرّر عليها الغسل والتّصعيد حتّى تلطف وترقّ وتصفو. فإذا فعلت ذلك فقد فتح الله عليك فابدأ بالتركيب الّذي عليه مدار العمل. وذلك أنّ التّركيب لا يكون إلّا بالتّزويج والتّعفين فأمّا التّزويج فهو اختلاط اللّطيف بالغليظ وأمّا التّعفين فهو التّمشية والسّحق حتّى يختلط بعضه ببعض ويصير شيئا واحدا لا اختلاف فيه ولا نقصان بمنزلة الامتزاج بالماء. فعند ذلك يقوى الغليظ على إمساك اللّطيف وتقوى الرّوح على مقابلة النّار وتصبر عليها وتقوى النّفس على الغوص في الأجساد والدّبيب فيها. وإنّما وجد ذلك بعد التّركيب لأنّ الجسد المحلول لمّا ازدوج بالرّوح مازجه بجميع أجزائه ودخل بعضها في بعض لتشاكلها فصار شيئا واحدا


[١] الثفل: ما يستقر في أسفل الشيء من كدرة (القاموس) .

<<  <  ج: ص:  >  >>