للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجب من ذلك أن يعرض للرّوح من الصّلاح والفساد والبقاء والثّبوت وما يعرض للجسد لموضع الامتزاج. وكذلك النّفس إذا امتزجت بهما ودخلت فيهما بخدمة التّدبير اختلطت أجزاؤها بجميع أجزاء الآخرين أعني الرّوح والجسد وصارت هي وهما شيئا واحدا لا اختلاف فيه بمنزلة الجزء الكلّيّ الّذي سلمت طبائعه واتّفقت أجزاؤه فإذا ألقى هذا المركّب الجسد المحلول وألحّ عليه النّار وأظهر ما فيه من الرّطوبة على وجهه ذاب في الجسد المحلول. ومن شأن الرّطوبة الاشتعال وتعلّق النّار بها فإذا أرادت النّار التّعلّق بها منعها من الاتّحاد بالنّفس ممازجة الماء لها. فإنّ النّار لا تتّحد بالدّهن حتّى يكون خالصا.

وكذلك الماء من شأنه النّفور من النّار. فإذا ألحّت عليه النّار وأرادت تطييره حبسه الجسد اليابس الممازج له في جوفه فمنعه من الطّيران فكان الجسد علّة لإمساك الماء والماء علّة لبقاء الدّهن والدّهن علّة لثبات الصّبغ والصّبغ علّة لظهور الدّهن وإظهار الدّهنيّة في الأشياء المظلمة الّتي لا نور لها ولا حياة فيها. فهذا هو الجسد المستقيم وهكذا يكون العمل. وهذه التّصفية الّتي سألت عنها وهي الّتي سمّتها الحكماء بيضة وإيّاها يعنون لا بيضة الدّجاج واعلم أنّ الحكماء لم تسمّها بهذا الاسم لغير معنى بل أشبهتها. ولقد سألت مسلمة عن ذلك يوما وليس عنده غيري فقلت له: أيّها الحكيم الفاضل أخبرني لأيّ شيء سمّت الحكماء مركّب الحيوان بيضة؟ اختيارا منهم لذلك أم لمعنى دعاهم إليه؟ فقال: بل لمعنى غامض فقلت أيّها الحكيم وما ظهر لهم من ذلك من المنفعة والاستدلال على الصّناعة حتّى شبهوها وسمّوها بيضة؟ فقال: لشبهها وقرابتها من المركّب ففكّر فيه فإنّه سيظهر لك معناه. فبقيت بين يديه مفكّرا لا أقدر على الوصول إلى معناه. فلمّا رأى ما بي من الفكر وأنّ نفسي قد مضت فيها أخذ بعضدي وهزّني هزّة خفيفة وقال لي: يا أبا بكر ذلك للنّسبة الّتي بينهما في كميّة الألوان عند امتزاج الطّبائع وتأليفها. فلمّا قال ذلك انجلت عنّي الظّلمة وأضاء لي نور قلبي

<<  <  ج: ص:  >  >>