للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأندلس في مثل ذلك ووقفته على بعض التّآليف فيها فتصفّحه طويلا ثمّ ردّه إليّ وقال لي وأنا الضّامن له أن لا يعود إلى بيته إلّا بالخيبة. ثمّ منهم من يقتصر في ذلك على الدّلسة فقط. إمّا الظّاهرة كتمويه الفضّة بالذّهب أو النّحاس بالفضّة أو خلطهما على نسبة جزء أو جزءين أو ثلاثة أو الخفيّة كإلقاء الشّبه بين المعادن بالصّناعة مثل تبييض النّحاس وتلبيسه بالزّوق المصعّد فيجيء جسما معدنيّا شبيها بالفضّة ويخفى إلّا على النّقّاد المهرة فيقدّر أصحاب هذه الدّلس مع دلستهم [١] هذه سكّة يسربونها في النّاس ويطبعونها بطابع السّلطان تمويها على الجمهور بالخلاص. وهؤلاء أخسّ النّاس حرفة وأسوأهم عاقبة لتلبّسهم بسرقة أموال النّاس فإنّ صاحب هذه الدّلسة إنّما هو يدفع نحاسا في الفضّة وفضّة في الذّهب ليستخلصها لنفسه فهو سارق أو شرّ من السّارق. ومعظم هذا الصّنف لدينا بالمغرب من طلبة البربر المنتبذين بأطراف البقاع ومساكن الأغمار يأوون إلى مساجد البادية ويموّهون على الأغنياء منهم بأنّ بأيديهم صناعة الذّهب والفضّة والنّفوس مولعة بحبّهما والاستهلاك في طلبهما فيحصلون من ذلك على معاش. ثمّ يبقى ذلك عندهم تحت الخوف والرّقبة إلى أن يظهر العجز وتقع الفضيحة فيفرّون إلى موضع آخر ويستجدّون حالا أخرى في استهواء بعض أهل الدّنيا بأطماعهم فيما لديهم. ولا يزالون كذلك في ابتغاء معاشهم وهذا الصّنف لا كلام معهم لأنّهم بلغوا الغاية في الجهل والرّداءة والاحتراف بالسّرقة ولا حاسم لعلّتهم إلّا اشتداد الحكّام عليهم وتناولهم من حيث كانوا وقطع أيديهم متى ظهروا على شأنهم لأنّ فيه إفسادا للسّكّة الّتي تعمّ بها البلوى وهي متموّل النّاس كافّة. والسّلطان مكلّف بإصلاحها والاحتياط عليها والاشتداد على مفسديها. وأمّا من انتحل هذه الصّناعة ولم يرض بحال الدّلسة بل استنكف عنها ونزّه نفسه عن إفساد سكّة المسلمين ونقودهم وإنّما يطلب إحالة الفضّة للذّهب والرّصاص والنّحاس والقصدير إلى


[١] الدلس: (بفتح الدال وسكون اللام) الخديعة والدلسة بضم الدال الظلمة (لسان العرب) .

<<  <  ج: ص:  >  >>