للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفضّة بذلك النّحو من العلاج وبالإكسير الحاصل عنده فلنا مع هؤلاء متكلّم وبحث في مداركهم لذلك. مع أنّا لا نعلم أنّ أحدا من أهل العالم تمّ له هذا الغرض أو حصل منه على بغية إنّما تذهب أعمارهم في التّدبير والفهر [١] والصّلابة والتّصعيد والتّكليس واعتيام الأخطار بجمع العقاقير والبحث عنها. ويتناقلون في ذلك حكايات وقعت لغيرهم ممّن تمّ له الغرض منها أو وقف على الوصول يقنعون باستماعها والمفاوضات فيها ولا يستريبون في تصديقها شأن الكلفين المغرمين بوساوس الأخبار فيما يكلّفون به فإذا سئلوا عن تحقيق ذلك بالمعاينة أنكروه وقالوا إنّما سمعنا ولم نر. هكذا شأنهم في كلّ عصر وجيل واعلم أنّ انتحال هذه الصّنعة قديم في العالم وقد تكلّم النّاس فيها من المتقدّمين والمتأخّرين فلننقل مذاهبهم في ذلك ثمّ نتلوه بما يظهر فيها من التّحقيق الّذي عليه الأمر في نفسه فنقول إنّ مبنى الكلام في هذه الصّناعة عند الحكماء على حال المعادن السّبعة المتطرّقة وهي الذّهب والفضّة والرّصاص والقصدير والنّحاس والحديد والخارصين هل هي مختلفات بالفصول وكلّها أنواع قائمة بأنفسها أو إنّها مختلفة بخواصّ من الكيفيّات وهي كلّها أصناف لنوع واحد؟ فالّذي ذهب إليه أبو النّصر الفارابيّ وتابعه عليه حكماء الأندلس أنّها نوع واحد وأنّ اختلافها إنّما هو بالكيفيّات من الرّطوبة واليبوسة واللّين والصّلابة والألوان من الصّفرة والبياض والسّواد وهي كلّها أصناف لذلك النّوع الواحد والّذي ذهب إليه ابن سينا وتابعه عليه حكماء المشرق أنّها مختلفة بالفصول وأنّها أنواع متباينة كلّ واحد منها قائم بنفسه متحقّق بحقيقته له فصل وجنس شان سائر الأنواع. وبنى أبو نصر الفارابيّ على مذهبه في اتّفاقها بالنّوع إمكان انقلاب بعضها إلى بعض لإمكان تبدّل الأغراض حينئذ وعلاجها بالصّنعة. فمن هذا الوجه كانت صناعة الكيمياء


[١] الفهر: الحجر قدر ما يدق به الجوز ونحوه. وقيل هو حجر يملأ الكف (لسان العرب) وهنا تعني الدق.

<<  <  ج: ص:  >  >>