للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنده ممكنة سهلة المأخذ. وبنى أبو عليّ بن سينا على مذهبه في اختلافها بالنّوع إنكار هذه الصّنعة واستحالة وجودها بناء على أنّ الفصل لا سبيل بالصّناعة إليه وإنّما يخلقه خالق الأشياء ومقدّرها وهو الله عزّ وجلّ. والفصول مجهولة الحقائق رأسا بالتّصوّر فكيف يحاول انقلابها بالصّنعة. وغلّطه الطّغرائيّ من أكابر أهل هذه الصّناعة في هذا القول. وردّ عليه بأنّ التّدبير والعلاج ليس في تخليق الفصل وإبداعه وإنّما هو في إعداد المادّة لقبوله خاصّة. والفصل يأتي من بعد الإعداد من لدن خالقه وبارئه كما يفيض النّور على الأجسام بالصّقل والإمهاء. ولا حاجة بنا في ذلك إلى تصوّره ومعرفته قال: «وإذا كنّا قد عثرنا على تخليق بعض الحيوانات مع الجهل بفصولها مثل العقرب من التّراب والنّتن ومثل الحيّات المتكوّنة من الشّعر ومثل ما ذكره أصحاب الفلاحة من تكوين النّحل إذا فقدت من عجاجيل البقر. وتكوين القصب من قرون ذوات الظّلف وتصييره سكّرا بحشو القرون بالعسل بين يدي ذلك الفلح للقرون فما المانع إذا من العثور على مثل ذلك في الذّهب والفضّة. فتتّخذ مادّة تضيفها للتّدبير بعد أن يكون فيها استعداد أوّل لقبول صورة الذّهب والفضّة. ثمّ تحاولها بالعلاج إلى أن يتمّ فيها الاستعداد لقبول فصلها» . انتهى كلام الطّغرائيّ بمعناه. وهو الّذي ذكره في الرّدّ على ابن سينا صحيح. لكنّ لنا في الرّدّ على أهل هذه الصّناعة مأخذا آخر يتبيّن منه استحالة وجودها وبطلان مزعمهم أجمعين لا الطّغرائيّ ولا ابن سينا. وذلك أنّ حاصل علاجهم أنّهم بعد الوقوف على المادّة المستعدّة بالاستعداد الأوّل يجعلونها موضوعا ويحاذون في تدبيرها وعلاجها تدبير الطّبيعة في الجسم المعدنيّ حتّى أحالته ذهبا أو فضّة ويضاعفون القوى الفاعلة والمنفعلة ليتمّ في زمان أقصر. لأنّه تبيّن في موضوعة أنّ مضاعفة قوّة الفاعل تنقص من زمن فعله وتبيّن أنّ الذّهب إنّما يتمّ كونه في معدنه بعد ألف وثمانين من السّنين دورة الشّمس الكبرى فإذا تضاعفت القوى والكيفيّات في العلاج كان زمن كونه أقصر من ذلك ضرورة على

<<  <  ج: ص:  >  >>