للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا العلوم الفلسفيّة، فلا اختلاف فيها، لأنّها إنّما تأتي على نهج واحد، فيما تقتضيه الطبيعة الفكريّة، في تصوّر الموجودات على ما هي عليه، جسمانيّها وروحانيّها وفلكيّها وعنصريّها ومجرّدها ومادّتها. فإنّ هذه العلوم لا تختلف، وإنّما يقع الاختلاف في العلوم الشرعيّة لاختلاف الملل، أو التاريخيّة لاختلاف خارج الخبر. ثمّ الكتابة مختلفة باصطلاحات البشر في رسومها وأشكالها، ويسمّى ذلك قلما وخطّا. فمنها الخطّ الحميريّ، ويسمّى المسند، وهو كتابة حمير وأهل اليمن الأقدمين، وهو يخالف كتابة العرب المتأخّرين من مضر، كما يخالف لغتهم. وإنّ الكلّ عربيّا. إلّا أنّ ملكة هؤلاء في اللّسان والعبارة غير ملكة أولئك. ولكلّ منهما قوانين كلّيّة مستقرأة من عبارتهم غير قوانين الآخرين. وربّما يغلط في ذلك من لا يعرف ملكات العبارة. ومنها الخطّ السّريانيّ، وهو كتابة النّبط والكلدانيّين. وربّما يزعم بعض أهل الجهل أنّه الخطّ الطبيعيّ لقدمه فإنّهم كانوا أقدم الأمم، وهذا وهم، ومذهب عامّي. لأنّ الأفعال الاختياريّة كلّها ليس شيء منها بالطبع، وإنّما هو يستمرّ بالقدم والمران حتّى يصير ملكة راسخة، فيظنّها المشاهد طبيعيّة كما هو رأي كثير من البلداء في اللّغة العربيّة، فيقولون: العرب كانت تعرب بالطبع وتنطق بالطبع، وهذا وهم. ومنها الخطّ العبرانيّ الّذي هو كتابة بني عابر بن شالح من بني إسرائيل وغيرهم. ومنها الخطّ اللطينيّ، خطّ اللطينيّين من الروم، ولهم أيضا لسان مختصّ بهم. ولكلّ أمّة من الأمم اصطلاح في الكتاب يعزى إليها ويختصّ بها.

مثل الترك والفرنج والهنود وغيرهم. وإنّما وقعت العناية بالأقلام الثلاثة الأولى.

أمّا السّريانيّ فلقدمه كما ذكرنا، وأمّا العربيّ والعبريّ فلتنزّل القرآن والتوراة بهما بلسانهما. وكان هذان الخطّان بيانا لمتلوّهما، فوقعت العناية بمنظومهما أوّلا وانبسطت قوانين لاطّراد العبارة في تلك اللّغة على أسلوبها لتفهم الشّرائع التكليفيّة من ذلك الكلام الربّانيّ. وأمّا اللطينيّ فكان الروم، وهم أهل ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>