اللّسان، لما أخذوا بدين النّصرانيّة، وهو كلّه من التوراة، كما سبق في أوّل الكتاب، ترجموا التوراة وكتب الأنبياء الإسرائيليّين إلى لغتهم، ليقتنصوا منها الأحكام على أسهل الطرق. وصارت عنايتهم بلغتهم وكتابتهم آكد من سواها.
وأمّا الخطوط الأخرى فلم تقع بها عناية، وإنّما هي لكلّ أمّة بحسب اصطلاحها. ثمّ إنّ الناس حصروا مقاصد التأليف الّتي ينبغي اعتمادها وإلغاء ما سواها، فعدّوها سبعة:
أوّلها: استنباط العلم بموضوعه وتقسيم أبوابه وفصوله وتتبّع مسائله، أو استنباط مسائل ومباحث تعرض للعالم المحقّق ويحرص على إيصاله بغيره، لتعمّ المنفعة به فيودع ذلك بالكتاب في المصحف، لعلّ المتأخّر يظهر على تلك الفائدة، كما وقع في الأصول في الفقه. تكلّم الشافعيّ أوّلا في الأدلّة الشرعيّة اللفظيّة ولخصها، ثمّ جاء الحنفيّة فاستنبطوا مسائل القياس واستوعبوها، وانتفع بذلك من بعدهم إلى الآن.
وثانيها: أن يقف على كلام الأوّلين وتآليفهم فيجدها مستغلقة على الأفهام ويفتح الله له في فهمها فيحرص على إبانة ذلك لغيره ممّن عساه يستغلق عليه، لتصل الفائدة لمستحقّها. وهذه طريقة البيان لكتب المعقول والمنقول، وهو فصل شريف.
وثالثها: أن يعثر المتأخر على غلط أو خطإ في كلام المتقدّمين ممّن اشتهر فضله وبعد في الإفادة صيته، ويستوثق في ذلك بالبرهان الواضح الّذي لا مدخل للشكّ فيه، فيحرص على إيصال ذلك لمن بعده، إذ قد تعذّر محوه ونزعه بانتشار التأليف في الآفاق والأعصار، وشهرة المؤلّف ووثوق الناس بمعارفه، فيودع ذلك الكتاب ليقف على بيان ذلك.
ورابعها: أن يكون الفنّ الواحد قد نقصت منه مسائل أو فصول بحسب