للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللّسان العربيّ فسد اعتبارا بما وقع في أواخر الكلم من فساد الإعراب الّذي يتدارسون قوانينه. وهي مقالة دسّها التّشيع في طباعهم وألقاها القصور في أفئدتهم وإلّا فنحن نجد اليوم الكثير من ألفاظ العرب لم تزل في موضوعاتها الأولى والتّعبير عن المقاصد والتّعاون فيه بتفاوت الإبانة موجود في كلامهم لهذا العهد وأساليب اللّسان وفنونه من النّظم والنّثر موجودة في مخاطباتهم وفهم الخطيب المصقع في محافلهم ومجامعهم والشّاعر المفلق على أساليب لغتهم. والذّوق الصّحيح والطّبع السّليم شاهدان بذلك. ولم يفقد من أحوال اللّسان المدوّن إلّا حركات الإعراب في أواخر الكلم فقط الّذي لزم في لسان مضر طريقة واحدة ومهيعا معروفا وهو الإعراب. وهو بعض من أحكام اللّسان. وإنّما وقعت العناية بلسان مضر لمّا فسد بمخالطتهم الأعاجم حين استولوا على ممالك العراق والشّام ومصر والمغرب وصارت ملكته على غير الصّورة الّتي كانت أوّلا فانقلب لغة أخرى. وكان القرآن منزّلا به والحديث النّبويّ منقولا بلغته وهما أصلا الدّين والملّة فخشي تناسيهما وانغلاق الأفهام عنهما بفقدان اللّسان الّذي نزّلا به فاحتيج إلى تدوين أحكامه ووضع مقاييسه واستنباط قوانينه. وصار علما ذا فصول وأبواب ومقدّمات ومسائل سمّاه أهله بعلم النّحو وصناعة العربيّة فأصبح فنّا محفوظا وعلما مكتوبا وسلّما إلى فهم كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وافيا [١] . ولعلّنا لو اعتنينا بهذا اللّسان العربيّ لهذا العهد واستقرينا أحكامه نعتاض عن الحركات الإعرابيّة في دلالتها بأمور أخرى موجودة فيه تكون بها قوانين تخصّها. ولعلّها تكون في أواخره على غير المنهاج الأوّل في لغة مضر فليست اللّغات وملكاتها مجّانا. ولقد كان اللّسان المضريّ مع اللّسان الحميريّ بهذه المثابة وتغيّر عند مضر كثير من موضوعات اللّسان الحميريّ وتصاريف كلماته. تشهد بذلك الأنقال الموجودة لدينا خلافا لمن يحمله القصور على أنّها لغة واحدة ويلتمس إجراء اللّغة الحميريّة على


[١] وفي نسخة أخرى: راقيا.

<<  <  ج: ص:  >  >>