مقاييس اللّغة المضريّة وقوانينها كما يزعم بعضهم في اشتقاق القيل في اللّسان الحميريّ أنّه من القول وكثير من أشباه هذا وليس ذلك بصحيح. ولغة حمير لغة أخرى مغايرة للغة مضر في الكثير من أوضاعها وتصاريفها وحركات إعرابها كما هي لغة العرب لعهدنا مع لغة مضر إلّا أنّ العناية بلسان مضر من أجل الشّريعة كما قلناه حمل ذلك على الاستنباط والاستقراء وليس عندنا لهذا العهد ما يحملنا على مثل ذلك ويدعونا إليه. وممّا وقع في لغة هذا الجيل العربيّ لهذا العهد حيث كانوا من الأقطار شأنهم في النّطق بالقاف فإنّهم لا ينطقون بها من مخرج القاف عند أهل الأمصار كما هو مذكور في كتب العربيّة أنّه من أقصى اللّسان وما فوقه من الحنك الأعلى. وما ينطقون بها أيضا من مخرج الكاف وإن كان أسفل من موضع القاف وما يليه من الحنك الأعلى كما هي بل يجيئون بها متوسّطة بين الكاف والقاف وهو موجود للجيل أجمع حيث كانوا من غرب أو شرق حتّى صار ذلك علامة عليهم من بين الأمم والأجيال مختصّا بهم لا يشاركهم فيها غيرهم.
حتّى إنّ من يريد التّقرّب [١] والانتساب إلى الجيل والدّخول فيه يحاكيهم في النّطق بها. وعندهم أنّه إنّما يتميّز العربيّ الصّريح من الدّخيل في العروبيّة والحضريّ بالنّطق بهذه القاف. ويظهر بذلك أنّها لغة مضر بعينها فإنّ هذا الجيل الباقين معظمهم ورؤساؤهم شرقا وغربا في ولد منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان من سليم بن منصور ومن بني عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور. وهم لهذا العهد أكثر الأمم في المعمور وأغلبهم وهم من أعقاب مضر وسائر الجيل معهم من بني كهلان في النّطق بهذه القاف أسوة. وهذه اللّغة لم يبتدعها هذا الجيل بل هي متوارثة فيهم متعاقبة ويظهر من ذلك أنّها لغة مضر الأوّلين ولعلّها لغة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعينها قد ادّعى ذلك فقهاء أهل البيت وزعموا أنّ من قرأ في أمّ القرآن «اهدنا إلى الصراط