للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما وقع لأحد من أئمّة هذا الشأن مثل ما وقع لابن قزمان شيخ الصناعة، وقد خرج إلى منتزه مع بعض أصحابه، فجلسوا تحت عريش وأمامهم تمثال أسد من رخام يصبّ الماء من فيه على صفائح من الحجر متدرّجة فقال:

وعريش قد قام على دكان ... بحال رواق

وأسد قد ابتلع ثعبان ... من غلظ ساق

وفتح فمه بحال إنسان ... بيه الفراق

وانطلق من ثم على الصفاح ... وألقى الصياح

وكان ابن قزمان، مع أنّه قرطبيّ الدار، كثيرا ما يتردّد إلى إشبيليّة ونيتاب نهرها، فاتّفق أن اجتمع ذات يوم جماعة من أعلام هذا الشأن. وقد ركبوا في النّهر للنزهة، ومعهم غلام جميل الصورة من سروات أهل البلد وبيوتهم. وكانوا مجتمعين في زورق للصيد، فنظموا في وصف الحال، وبدأ منهم عيسى البليديّ فقال:

يطمع بالخلاص قلبي وقد فاتو ... وقد ضمني عشقو لشهماتو

تراه قد حصل مسكين محلاتو ... يغلق وكذاك أمر عظيم صاباتو

توحش الجفون الكحل إن غابو ... وذيك الجفون الكحل أبلاتو

ثمّ قال أبو عمرو بن الزاهر الإشبيليّ:

نشب والهوى من لج فيه ينشب ... ترى ايش دعاه يشقى ويتعذب

مع العشق قام في بألوان يلعب ... وخلق كثير من ذا اللعب ماتوا

ثمّ قال أبو الحسن المقرّيّ الدانيّ:

نهار مليح يعجبن أوصافو ... شراب وملاح من حولي قد طافوا

والمقلين يقول من فوق صفصافو ... والبوري أخرى فقلاتو

<<  <  ج: ص:  >  >>