وهرب الأسود بن غفّار الى جبلي طيِّئ، فأقام بهما، ودعا تبّع باليمامة أخت رباح التي أبصرتهم فقلع عينها. ويقال إنه وجد بها عروقا سودا زعمت أنّ ذلك من اكتحالها بالإثمد، وكانت تلك البلد تسمى جو فسمّيت باليمامة اسم تلك المرأة.
قال أبو الفرج الأصبهاني: وكانت طيِّئ تسكن الجرف من أرض اليمن وهي اليوم محلة مراد وهمدان، وسيدهم يومئذ سامة بن لؤيّ بن الغوث بن طيِّئ، وكان الوادي مسبعة وهم قليل عددهم، وكان يجتاز بهم بعير في زمن الخريف ويذهب ثم يجيئ من قابل ولا يعرفون مقرّه، وكانت الأزد قد خرجت أيام سيل العرم واستوحشت طيِّئ فظعنوا على أثرهم، وقالوا لسامة هذا البعير إنما يأتي من الريف والخصب لان في بعرة النوى، فلما جاءهم زمن الخريف اتّبعوه يسيرون لسيرة حتى هبط عن الجبلين، وهجموا على النخل في الشعاب وعلى المواشي وإذا هم بالأسود بن غفّار، في بعض تلك الشعاب فهالهم خلقه وتخوّفوه، ونزلوا ناحية ونفضوا الطريق فلم يروا أحدا، فأمر سامة ابنه الغوث بقتل الأسود، فجاء إليه فعجب من صغر خلقه، وقال: من أين أقبلتم؟ قال: من اليمن وأخبره خبر البعير ثم رماه فقتله وأقامت طيِّئ بالجبلين بعده.
وذكر الطبريّ عن غير ابن إسحاق أنّ تبّع الّذي أوقع بجديس هو والد حسّان هذا، وهو ثبات أسعد أبو كرب بن ملكي كرب ويأتي ذكره في ملوك اليمن إن شاء الله تعالى انتهى كلام الطبريّ.
وقال غيره إنّ حسّان بن تبّع لما سار بحمير الى طسم بعث على مقدمته إليهم عبد كلال بن منوب بن حجر بن ذي رعين من أقيال حمير فسلك بهم رباح بن مرّة الرمل وكانت الزرقاء أخت رباح ناكحاً في طسم وتسمّى عنزة واليمامة، وكانت تبصر على البعد فأنذرتهم فلم يقبلوا وصبح عبد بن كلال جديسا إلى آخر القصّة، وبقيت اليمامة بعد طسم يبابا لا يأكل ثمرها إلا عوافي الطير والسباع حتى نزلها بنو حنيفة، وكانوا بعثوا رائدهم عبيد بن ثعلبة الحنفي يرتاد لهم في البلاد، فلما أكل من ذلك الثمر قال إنّ هذا الطعام! وحجر بعصاه على موضع قصبة اليمامة، فسميت حجرا واستوطنها بنو حنيفة وبها صبحهم الإسلام كما يأتي في أخبارهم إنّ شاء الله تعالى.
وأما العمالقة فهم بنو عمليق بن لاوذ وبهم يضرب المثل في الطول والجثمان. قال