سياق الأخبار في التوراة عن أولئك الأمم انما هو لمن كان في عمود النسب ما بين موسى وآدم صلوات الله عليهم، وليس لأحد من آباء هؤلاء الأجيال ذكر في عمود ذلك النسب فلم يذكروا فيها.
وأما جديس وطسم فعند ابن الكلبي أنّ جديسا لإرم بن سام وديارهم اليمامة وهم أخوان لثمود بن كاثر، ولذلك ذكرهم بعدهم وان طسما للاوذ بن سام وديارهم بالبحرين. وعند الطبريّ أنهما معا للاوذ وديارهم باليمامة. ولهذين الاثنين خبر مشهور ينبغي سياقه عند ذكرهم. قال الطبريّ عن هشام بن محمد الكلبي بسنده إلى ابن إسحاق وغيره من علماء العرب: أنّ طسما وجديسا كانوا من ساكني اليمامة، وهي إذ ذاك من أخصب البلاد وأعمرها، وأكثرها خيرا وثمارا وحدائق وقصورا، وكان ملك طسم غشوما لا ينهاه شيء عن هواه، ويقال له: عملوق وكان مضرّا لجديس مستذلا لهم، حتى كانت البكر من جديس لا تهدى إلى زوجها حتى تدخل عليه فيفترعها. وكان السبب في ذلك أنّ امرأة منهم كان اسمها هزيلة طلّقها زوجها وأخذ ولده منها، فأمر عملوق ببيعها وأخذ زوجها الخمس من ثمنها، فقالت شعرا تتظلّم منه، فامر ان لا تزوّج منهم امرأة حتى يفترعها فقالوا كذلك حتى تزوّجت الشموس، وهي عفيرة ابنة غفّار بن جديس أخت الأسود، فافتضّها عملوق، فقال الأسود بن غفّار لرؤساء جديس: قد ترون ما نحن فيه من الذل والعار الّذي ينبغي للكلاب أن تعافه فأطيعوني أدعوكم إلى عزّ الدهر، فقالوا وما ذاك، قال:
أصنع للملك وقومه دعوة فإذا جاءوا، يعني طسما، نهضنا إليهم بأسيافنا فنقتلهم.
فأجمعوا على ذلك ودفنوا سيوفهم في الرمل، ودعوا عملوقا وقومه فلما حضروا قتلوهم، فأفنوهم، وقتل الأسود عملوقا، وأفلت رباح بن مرّة بن طسم فأتى حسان بن تبّع مستغيثا، فنهض حسّان في حمير لإغاثته حتى كان من اليمامة على ثلاث مراحل. قال لهم رباح إنّ لي أختا مزوّجة في جديس اسمها اليمامة، ليس على وجه الأرض أبصر منها وانها لتبصر الراكب على ثلاث مراحل، وأخاف أن تنظر القوم. فأمر كل رجل أن يقلع شجرة فيجعلها في يديه ويسير كأنه خلفها، ففعلوا وبصرت بهم اليمامة فقالت لجديس: لقد سارت إليكم حمير وإني أرى رجلا من وراء شجرة بيده كتف يتعرقها، أو نعل يخصفها، فاستبعدوا ذلك ولم يحفلوا به. وصبحهم حسّان وجنوده من حمير فأبادهم وخرّب حصونهم وبلادهم