عتبة بابك، ولما قصّت عليه الوصية قال ذلك أبي يأمرني بإمساكك فأمسكها. ثم جاء إبراهيم مرة ثالثة وقد أمره الله ببناء البيت وأمر إسماعيل بإعانته، فرفعوها من القواعد وتمّ بناؤها، وأذن في الناس بالحج.
ثم زوّج لوط ابنته من مدين بن إبراهيم عليهما السلام، وجعل الله في نسلها البركة، فكان منه أهل مدين الأمّة المعروفة.
ثم ابتلى الله إبراهيم بذبح ابنه في رؤيا رآها وهي وحي، وكانت الفدية ونجّى الله ذلك الولد كما قصّ في القرآن. واختلف في ذلك الذبيح من ولديه فقيل إسماعيل وقيل إسحاق، وذهب إلى كلا القولين جماعة من الصحابة والتابعين، فالقول بإسماعيل لابن عبّاس وابن عمر والشعبي ومجاهد والحسن ومحمد بن كعب القرظي وقد يحتجون له بقوله صلى الله عليه وسلم:«أنا ابن الذبيحين» ، ولا تقوى الحجة به لأنّ عمّ الرجل قد يجعل أباه يضرب من التجوز لا سيما في مثل هذا الفخر. ويحتجّون أيضا بقوله تعالى:«فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمن وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ ١١: ٧١» ، ولو كان ذبيحا في زمن الصبا، لم تصح البشارة بابن يكون له لأنّ الذبح في الصبا ينافي وجود الولد، ولا تقوم من ذلك حجة، لأنّ البشارة انما وقعت على وفق العلم بأنه لا يذبح وإنّما كان ابتلاء لإبراهيم، والقول بإسحاق للعبّاس وعمرو وعليّ وابن مسعود وكعب الأحبار وزيد بن أسلم ومسروق وعكرمة وسعيد بن جبير وعطا والزهري ومكحول والسدّي وقتادة.
وقال الطبريّ: والراجح أنه إسحاق لأن نصّ القرآن يقتضي أن الذبيح هو المبشّر به، ولم يبشّر إبراهيم بولد إلا من زوجته سارة، مع أنّ البشارة وقعت إجابة لدعائه عند مهاجره من أرض بابل. وقوله إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ ٣٧: ٩٩، ثم قال عقبة: رَبِّ هَبْ لِي من الصَّالِحِينَ ٣٧: ١٠٠، ثم قال عقبة فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ٣٧: ١٠١. وذلك كله كان قبل هاجر، لأن هاجر إنما ملكتها سارة بمضر، وملّكتها لإبراهيم بعد ذلك بعشر سنين، فالمبشّر به قبل ذلك كله إنّما هو ابن سارة، فهو الذبيح بهذه الدلالة القاطعة. وبشارة الملائكة لسارة بعد ذلك حين كانوا ضيوفا عند إبراهيم في مسيرهم لإهلاك سدوم، إنّما كان تجديدا لبشارة المتقدّمة انتهى.