ثم توفيت سارة لمائة وسبع وعشرين من عمرها، وذلك في قرية جيرون [١] من بلاد بني حبيب الكنعانيين، فطلب إبراهيم منهم مقبرة لها، فوهبه عفرون بن صخر مغارة كانت في مزرعته، فامتنع من قبولها إلا بالثمن، فأجاب إلى ذلك، وأعطاه إبراهيم أربعمائة مثقال فضة ودفن فيها سارة. وتزوّج إبراهيم من بعدها قطورا بنت يقطان من الكنعانيين. وقال السهيليّ قنطورا بزيادة نون بين القاف والطاء، وهذا الاسم أعجمي وطاؤه قريبة من التاء، فولدت له كما هو مذكور في التوراة ستة من الولد وهم: زمران يقشان مدان مدين أشبق شوخ. ثم وقع في التوراة ذكر أولادهم فولد يقشان سبا ودذّان، وولد دذّان أشوثم ولطوسيح ولاميم. وولد مدين عيفا وعيفين وحنوخ وأفيداع وألزاعا هذا آخر ولده من قنطورا في التوراة. وقال السهيليّ: كان لإبراهيم عليه السلام أولاد آخرون خمسة من امرأة اسمها حجين أو حجّون بنت أهيب، وهم كبسان وفرّوخ وأميم ولوطان ونافس. ولما ذكر الطبري بني قنطورا الستة وسمّى منهم يقشان، قال بعده: وسائرهم من الأخرى وهي رعوة. ثم قال: ومن يقشان جيل البربر أهـ. فولد إبراهيم على هذا ثلاثة عشر: فإسماعيل من هاجر، وإسحاق من سارة، وستة من قنطورا كما ذكر في التوراة، والخمسة بنو حجين عند السهيليّ، أو رعوة عند الطبريّ.
وكان إبراهيم عليه السلام قد عهد لابنه إسحاق أن لا يتزوّج في الكنعانيين، وأكّد العهد والوصيّة بذلك لمولاه القائم على أموره، ثم بعثه إلى حرّان مهاجرهم الأول، فخطب من ابن أخيه بتويل بن ناحور بن آزر بنته رفقا فزوّجها أبوها واحتملها ومن معها من الجواري وجاء بها إلى إسحاق في حياة أبيه وعمره يومئذ أربعون سنة فتزوّجها، وولدت له يعقوب وعيصو توأمين وسنذكر خبرهما. ثم قبض الله نبيّه إبراهيم صلوات الله عليه بمكان هجرته من أرض كنعان وهو ابن مائة وخمس وسبعين سنة، ودفن مع سارة في مغارة عفرون الحبيبى، وعرف بالخليل لهذا العهد، ثم جعل الله في ذريته النبوّة والكتاب آخر الدهر.
[١] جيرون: بالفتح، قال ابن الفقيه: ومن بنائهم جيرون عند باب دمشق من بناء سليمان بن داود عليه السلام. ويقال إنّ الشياطين بنته، وهي سقيفة مستطيلة على عمد وسقائف وحولها مدينة تطيف بها، قال: واسم الشيطان الّذي بناه جيرون فسمّي به ... (معجم البلدان) وربما المقصود جبرون كما في التوراة.