فإسماعيل سكن مع جرهم بمكة وتزوّج فيهم وتعلم لغتهم وتكلم بها وصار أبا لمن بعده من أجيال العرب، وبعثه الله إلى جرهم والعمالقة الذين كانوا بمكة، وإلى أهل اليمن فآمن بعض وكفر بعض. ثم قبضه الله إليه وخلّف ولده بين جرهم، وكانوا على ما ذكر في التوراة اثنتي عشر أكبرهم بنايوت وهو الّذي تقوله العرب نابت ونبت، ثم قيذار وأدبيل وبسام ومشمع وذوما ومسار وحرّاه وقيما وبطور ونافس وقدما. قال ابن إسحاق: وعاش فيما ذكر مائة وثلاثين سنة، ودفن في الحجر مع أمه هاجر، ويقال آجر. وفي التوراة أنّه قبض ابن مائة وسبع وثلاثين سنة، وأنّ شيعته سكنوا من حويلا إلى شور قبالة مصر من مدخل أثور، وسكنوا على حذر شيع اخوته. وحويلا عند أهل التوراة هي جنوب برقة والواو منها قريبة من الياء، وشور هي أرض الحجاز، وأثور بلاد الموصل والجزيرة. ثم ولي أمر البيت من بعد إسماعيل ابنه نابت، وأقام ولده بمكة مع أخوالهم جرهم حتى تشعبوا وكثر نسلهم وتعدّدت بطونهم من عدنان في عداد معدّ، ثم بطون معدّ في ربيعة ومضر وإياد وأنمار بني نزار بن معد، فضاقت بهم مكة، على ما نذكره عند ذكر قريش وأخبار ملكهم بمكة، فكانت بطون عدنان هذه كلها من ولد إسماعيل لابنه نابت، وقيل لقيذار، ولم يذكر النسّابون نسلا من ولده الآخرين، وتشعبت من إسماعيل أيضا عند جماعة من أهل العلم بالنسب بطون قحطان كلها فيكون على هذا أبا لجميع العرب بعده.
وأمّا إسحاق فأقام بمكانه من فلسطين، وعمّر وعمي بعد الكثير من عمره وبارك على ولده يعقوب فغضب بذلك أخوه عيصو، وهمّ بقتله فأشارت عليه رفقا بنت بتويل بالسير الى حرّان عند خاله لا بان بن بتويل، فأقام عنده وزوّجه بنتيه، فزوجه أولا الكبرى واسمها ليّا وأخدمها جاريتها زلفة، ثم من بعدها أختها الصغير واسمها راحيل وأخدمها جاريتها بلها. وأوّل من ولد منهنّ ليّا ولدت له روبيل، ثم شمعون، ثم لاوي، ثم يهوذا. وكانت راحيل لا تحبل فوهبت جاريتها بلها ليعقوب لتلد منه، فولدت له دان ثم نفتالي. ولما فعلت ذلك راحيل وهبت أختها ليا ليعقوب عليه السلام جاريتها زلفة فولدت له كادو وآشر، ثم ولدت ليّا من بعد ذلك يساخر، ثم زبولون، فكمل له بذلك عشرة من الولد. ثم دعت راحيل الله عزّ وجل أن يهب لها ولدا من يعقوب فولدت يوسف، وقد كملت له بحرّان عشرون سنة، ثم أمر بالرحيل إلى أرض كنعان التي وعدوا بملكها. فارتحل وخرج لابان في اتباعه وعزم له في المقام