للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنده، فأبى فودّعه وانصرف إلى حران وسار يعقوب لوجهه حتى إذا قرب من بلد عيصو، وهو جبل يسعين بأرض الكرك والشوبك لهذا العهد، اعترضه عيصوا لتلقّيه وكرامته، فأهدى إليه يعقوب من ماشيته هديّة احتلف فيها وتودّد إليه بالخضوع والتضرّع، فذهب ما كان عند عيصو وأوحى الله إليه بأن يكون اسمه إسرائيل، ومرّ على أورشاليم وهي بيت المقدس فاشترى لك مزرعة ضرب فيها فسطاطه وأمر ببناء مرجح سماه إيل في مكان الصخرة. ثم حملت راحيل هنالك فولدت له بنيامين، وماتت من نفاسة ودفنها في بيت لحم. ثم جاء إلى أبيه إسحاق بقرية جيرون من أرض كنعان فأقام عنده.

ومات إسحاق عليه السلام لمائة وثمانين سنة من عمره ودفن مع أبيه في المغارة، وأقام يعقوب بمكانه وولده عنده، وشب يوسف عليه السلام على غير حالهم من كرامة الله به، وقصّ عليهم رؤياه التي بشّر الله فيها بأمره فغصوا به وخرجوا معه الى الصيد، فألقوه في الجبّ واستخرجه السيّارة الذين مرّوا به بعد ذلك وباعوه للعرب بعشرين مثقالا، ويقال إنّ الّذي تولّى بيعه هو مالك بن دعر بن واين بن عيفا بن مدين.

واشتراه من العرب عزيز مصر وهو وزيرها أو صاحب شرطتها. قال ابن إسحاق واسمه أطفير بن رجيب وقيل قوطفير. وكان ملكها يومئذ من العماليق، والريّان بن الوليد بن دومغ، وربي يوسف عليه السلام في بيت العزيز فكان من شأنه مع امرأته زليخا، ومكثه في السجن، وتعبيره الرؤيا للمحبوسين من أصحاب الملك ما هو مذكور في الكتاب الكريم. ثم استعمله ملك مصر عند ما خشي السّنة [١] والغلاء على خزائن الزرع في سائر مملكته يقدر جمعها وتصريف الأرزاق منها وأطلق يده بذلك في جميع أعماله، وألبسه خاتمه وحمله على مركبه، ويوسف لذلك العهد ابن ثلاثين سنة.

فقيل عزل أطفير العزيز وولاه، وقيل بل مات أطفير فتزوّج زليخا وتولّى عمله وكان ذلك سببا لانتظام شمله بأبيه واخوته لما أصابتهم السنة بأرض كنعان وجاء بعضهم للميرة، وكال لهم يوسف عليه السلام، وردّ عليهم بضاعتهم وطالبهم بحضور أخيهم فكان ذلك كله سببا لاجتماعه بأبيه يعقوب بعد أن كبر وعمي.

قال ابن إسحاق: كان ذلك لعشرين سنة من مغيبه، ولما وصل يعقوب إلى بلبيس قريبا من مصر، خرج يوسف ليلقاه، ويقال خرج فرعون معه، وأطلق لهم أرض


[١] سنت الأرض: صارت سنينا أي اكل نباتها (قاموس) .

<<  <  ج: ص:  >  >>