للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقبائل اليمن السير معه وأرادوا الرجوع إلى بلادهم، فكلموا أخا له كان معهم في العسكر يقال له عمرو، وقالوا له اقتل أخاك نملكك وترجع بنا إلى بلادنا. فتابعهم على ذلك وخالفه ذو رعين في ذلك ونهى عمرا عن ذلك، فلم يقبل وكتب في صحيفة وأودعها عنده:

ألا من يشتري سهرا بنوم ... سعيد من يبيت قرير عين

فأمّا حمير غدرت وخانت ... فمعذرة الإله لذي رعين

ثم قتل عمرو أخاه بعرصة لخم، وهي رحبة مالك بن طوق، ورجع حمير إلى اليمن فمنع النوم عليه السهر، وأجهده ذلك فشكى إلى الأطباء عدم نومه والكهّان والعرّافين، فقالوا ما قتل رجل أخاه إلا سلّط عليه السهر. فجعل يقتل كل من أشار عليه بقتل أخيه ولم يغنه ذلك شيئا، وهمّ بذي رعين فذكره شعره فكانت فيه معذرته ونجاته. وكان عمرو هذا يسمّى موثبان، قال الطبريّ: لوثوبه على أخيه، وقال ابن قتيبة لقلّة غزوة ولزومه الوثب على الفراش. وهلك عمرو هذا لثلاث وستين سنة من ملكه.

قال الجرجاني والطبريّ: ثم مرج أمر [١] حمير من بعده وتفرقوا، وكان ولد حسّان تبّع صغارا لا يصلحون للملك وكان أكبرهم قد استهوته الجنّ، فوثب على ملك التبابعة عبد كلال موثبا فملك عليهم أربعا وتسعين سنة، وكان يدين بالنصرانية، ثم رجع ابن حسّان تبّع من استهواء الجن فملك على التبابعة. قال الجرجاني ملك ثلاثا وسبعين سنة وهو تبع الأصغر ذو المغازي والآثار البعيدة. قال الطبريّ: وكان أبوه حسان تبع قد زوج بنته من عمرو بن حجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية من ملوك كندة، فولدت له ابنه الحرث بن عمرو، فكان ابن تبع بن حسّان هذا، فبعثه على بلاد معدّ، وملك على العرب بالحيرة مكان آل نصر بن ربيعة. قال وانعقد الصلح بينه وبين كيقباد ملك فارس على أن يكون الفرات حدّا بينهم، ثم أغارت العرب بشرقي الفرات، فعاتبه على ذلك، فقال لا أقدر على ضبط العرب الا بالمال والجند، فأقطعه بلادا من السواد، وكتب الحرث إلى تبع يغريه بملك الفرس، وتضعيف أمر كيقباد، فغزاهم. وقيل إنّ الّذي فعل ذلك هو عمرو بن حجر أبوه الّذي ولاه تبع أبو كرب، وأنه أغراه بالفرس واستقدمه إلى الحيرة، فبعث عساكره مع ولده الثلاثة إلى الصغد والصين والروم، وقد تقدّم ذكر ذلك.


[١] مرج الأمر: ضيّعه ولم يحكمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>