من اليهود وغيرهم، وأسرّ إليه البشرى بنبوّته وظهور قريش قومهم على جميع العرب.
وأسنى جوائز هذا الوفد بما يدل على شرف الدولة وعظمها لبعد غايتها في الهمة، وعلو نظرها في كرامة الوفد، وبقاء آثار الترف في الصبابة شاهد لشرافة الحال في الأوّل.
ذكر صاحب الأعلام وغيره أنه أجاز سائر الوفد بمائة من الإبل وعشرة أعبد وعشرة وصائف وعشرة أرطال من الورق والذهب وكرش مليء من العنبر وأضعاف ذلك بعشرة أمثاله لعبد المطلب.
قال ابن إسحاق: ولما انصرف وهزر إلى كسرى غزا سيف على الحبشة وجعل يقتل ويبقر بطون النساء، حتى إذا لم يبق إلا القليل جعلهم خولا واتخذ منهم طوابير يسعون بين يديه بالحراب، وعظم خوفهم منه. فخرج يوما وهم يسعون بين يديه، فلما توسطهم وقد انفردوا به عن الناس، رموه بالحراب فقتلوه، ووثب رجل منهم على الملك. وقيل ركب خليفة وهزر فيمن معه من المسلحة، واستلحم الحبشة وبلغ ذلك كسرى، فبعث وهزر في أربعة آلاف من الفرس وأمره بقتل كل أسود أو منتسب إلى أسود ولو جعدا قططا ففعل، وقتل الحبشة حيث كانوا، وكتب بذلك إلى كسرى، فأمّره على اليمن فكان بجبيه له حتى هلك. واستضافت حشّابة ملك الحميريّين بعد مهلك ابن ذي يزن وأهل بيته إلى الفرس، وورثوا ملك العرب وسلطان حمير باليمن بعد أن كانوا يزاحمونهم بالمناكب في عراقهم، ويجسونهم بالغزو خلال ديارهم. ولم يبق للعرب في الملك رسم ولا طلل إلا أقيالا من حمير وقحطان رؤساء في أحيائهم بالبدو لا تعرف لهم طاعة، ولا ينفذ لهم في غير ذاتهم أمر، إلا ما كان لكهلان إخوتهم بأرض العرب من ملك آل المنذر من لخم على الحيرة والعراق بتولية فارس، وملك آل جفنة من غسان على الشام بتولية آل قيصر كما يأتي في أخبارهم.
وقال الطبريّ: لما كانت اليمن لكسرى بعث إلى سرنديب من الهند قائدا من قواده، ركب إليها البحر في جند كثيف، فقتل ملكها واستولى عليها، وحمل إلى كسرى منها أموالا عظيمة وجواهر. وكان وهزر يبعث العير إلى كسرى بالأموال والطيوب، فتمرّ على طريق البحرين تارة وعلى أرض الحجاز أخرى. وعدا بنو تميم في بعض الأيام على عيره بطريق البحرين، فكتب إلى عامله بالانتقام منهم، فقتل منهم خلقا كما يأتي في أخبار كسرى. وعدا بنو كنانة على عيره بطريق الحجاز حين مرّت بهم، وكان في جوار رجل من أشراف العرب من قيس، فكانت حرب الفجّار بين قيس وكنانة