بسبب ذلك وشهدها النبيّ صلى الله عليه وسلم وكان ينبل فيها على أعمامه أي يجمع لهم النبل.
قال الطبريّ: ولما هلك وهزر أمّر كسرى من بعده على اليمن ابنه المرزبان، ثم هلك فأمّر حافده خرخسرو بن التيجان بن المرزبان، ثم سخط عليه وحمل إليه مقيدا، ثم أجاره ابن كسرى وخلّى سبيله، فعزله كسرى وولى باذان فلم يزل إلى أن كانت البعثة وأسلم باذان وفشا الإسلام باليمن كما نذكره عند ذكر الهجرة وأخبار الإسلام باليمن.
هذا آخر الخبر عن ملوك التبابعة من اليمن ومن ملك بعدهم من الفرس، وكان عدد ملوكهم فيما قال المسعودي سبعة وثلاثين ملكا في مدّة ثلاثة آلاف ومائتي سنة إلّا عشرا، وقيل أقل من ذلك. فكانوا ينزلون مدينة ظفّار. قال السهيليّ زمار وظفّار اسمان لمدينة واحدة، يقال بناها مالك بن أبرهة وهو الأملوك ويسمى مالك وهو ابن ذي المنار، وكان على بابها مكتوب بالقلم الأوّل في حجر أسود:
يوم شيدت ظفار فقيل لمن ... أنت فقالت لخير الأخيار
ثم سيلت من بعد ذلك قالت ... انّ ملكي احابش الأشرار
ثم سيلت من بعد ذلك قالت ... انّ ملكي لفارس الأحرار
ثم سيلت من بعد ذلك قالت ... انّ ملكي لقريش النجّار
ثم سيلت من بعد ذلك قالت ... انّ ملكي لخير سنجار
وقليلا ما يلبث القوم فيها ... غير تشييدها لحامي البوار
من أسود يلقيهم البحر فيها ... تشعل النار في أعالي الجدار
ولم تزل مدينة ظفّار هذه منزلا للملوك، وكذلك في الإسلام صدر الدولتين، وكانت اليمن من أرفع الولايات عندهم، بما كانت منازل العرب العاربة، ودارا لملوك العظماء من التبابعة والأقيال والعباهلة. ولما انقضى الكلام في أخبار حمير وملوكهم باليمن من العرب، استدعى الكلام ذكر معاصريهم من العجم على شرط كتابنا لنستوعب أخبار الخليقة، ونميّز حال هذا الجيل العربيّ من جميع جهاته، والأمم المشاهير من العجم الذين كانت لهم الدول العظيمة لعهد الطبقة الأولى والثانية من العرب وهم النبط والسريانيّون أهل بابل، ثم الجرامقة أهل الموصل، ثم القبط، ثم بنو إسرائيل والفرس ويونان والروم، فلنأت الآن بما كان لهم من الملك والدولة وبعض أخبارهم على اختصار، والله ولي العون والتوفيق، لا رب غير ولا مأمول إلّا خيره