أيمين من نسل أتريب طالبا بثأر قريبه ابراحس، ولحق بملك العمالقة يومئذ وهو الوليد ابن دومع الّذي ذكرناه عند ذكر العمالقة فاستنصر به وجاء معه وملك ديار مصر.
واستبدّ بالقبط نقراوس فاشتغل باللذّات، واستكفى من بنيه أطفير وهو العزيز فكفاه، وقام بأمره ودبّر له يوسف الفيوم بالوحي والهندسة، وكانت أرضها مغايض للماء فأخرجه وعمّر القرى مكانه على عدد أيام السنة، فجعله على خزائنه. وملك بعده دارم بن الريّان وسمّته القبط ويموص. وكان يوسف مدبّر أمره بوصية أبيه، ومات لعهده فأساء السيرة وهلك غريقا في النيل. وملك بعده ابنه معد انوس بن دارم فترهّب واستخلف ابنه كاشم فاستعبد بني إسرائيل للقبط، وقتله حاجبه ونصب بعده ابنه لاطش، فاشتغل باللهو فخلعه، ونصب آخر من نسل ندراس اسمه لهوب فتجبّر، وتذكر القبط انه فرعون موسى عليه السلام. وأهل الأثر يقولون: إنّه الوليد بن مصعب وأنه نجارا تقلب حاله الى عرافة الحرس، ثم تطور إلى الوزارة، ثم إلى الاستبداد. وهذا بعيد لما قدّمناه في الكتاب الأوّل. وقال المسعودي: بل كان فرعون موسى من الأقباط.
ثم هلك فرعون موسى، وخشي القبط من ملوك الشام، فملّكوا عليهم دلوكة من بيت الملك وهي التي بنت الحائط على أرض مصر، ويعرف بحائط العجوز لأنها طال عمرها حتى كبرت واتخذت البرابي ومقاييس النيل. ثم سمّى المسعودي من بعد دلوكة ثمانية من ملوكهم على ذلك النحو من عجمة الأسماء، وقال في الثامن إنه فرعون الأعرج الّذي اعتصم به بنو إسرائيل من بخت نصّر، فدخل عليه مصر وقتله وهدم هياكل الصابئة ووضع بيوت النيران له ولولده. وذكر في تواريخهم قال: قال ابن عبد الحكم: وهذه العجوز دلوكة هي التي جدّدت البرابي بمصر، أرسلت إلى امرأة ساحرة كانت لعهدها اسمها ترورة، وكانت السحرة تعظّمها، فعملت بربي من حجارة وسط مدينة منف، وصوّرت فيها صور الحيوانات من ناطق وأعجم، فلا يقع شيء بتلك الصورة إلّا وقع بمثالها في الخارج. وكان لهم بذلك امتناع ممن يقصدهم من الأمم لأنهم كانوا أعلم الناس بالسحر، وأقامت عليهم عشرين سنة حتى بلغ صبي من أبنائهم اسمه دركون بطلوس فملكوه، وأقامت معه على ذلك أربعمائة سنة [١] ، ثم مات فولوا ابنه يرديس بن دركون، ومن بعده أخاه نقاس بن نقراس، ومن بعده
[١] لعل المدة أربعين سنة وربما يكون الخطأ حصل في النسخ.