الخطاب يخبر بني إسرائيل بما أوحاه إليه من الأوامر والنواهي، وإذا تحاكموا إليه في شيء ليس عنده من الله فيه بشيء، يجيء إلى قبّة القربان، ويقف عند التابوت، ويصمد لما بين ذينك الكروبيين فيأتيه الخطاب بما فيه فصل تلك الخصومة.
ولما نجا بنو إسرائيل ودخلوا البرية عند سينا أول المصيف لثلاثة أشهر من خروجهم من مصر، وواجهوا جبال الشام وبلاد بيت المقدس التي وعدوا بها أنّ تكون ملكا لهم على لسان إبراهيم وإسحاق ويعقوب صلوات الله عليهم بمسيرهم إليها، وأتوه بإحصاء بني إسرائيل من يطيق حمل السلاح منهم من ابن عشرين فما فوقها فكانوا ستمائة ألف أو يزيدون، وضرب عليهم الغزو ورتب المصاف والميمنة والميسرة، وعين مكان كل سبط في التعبية وجعل فيه التابوت والمذبح في القلب، وعين لخدمتها بني لاوى من أسباطهم، وأسقط عنهم القتال لخدمة القبّة، وسار على التعبية سالكا على برية فاران، وبعثوا منهم اثني عشر نقيبا من جميع الأسباط فأتوهم بالخبر عن الجبارين.
كان منهم كالب بن يوفنّا بن حصرون بن بارص بن يهوذا بن يعقوب، ويوشع بن نون بن أليشامع بن عميهون بن بارص بن لعدان بن تاحن بن تالح بن أراشف بن رافح بن بريعا بن أفرايم بن يوسف بن يعقوب، فاستطابوا البلاد واستعظمو العدوّ من الكنعانيين والعمالقة، ورجعوا إلى قومهم يخبرونهم الخبر وخذلوهم، إلا يوشع وكالب فقالا لهم ما قالا وهما الرجلان اللذان أنعم الله عليهما. وخامر بنو إسرائيل عن اللقاء، وأبوا من السير الى عدوّهم، والأرض التي ملكهم الله، إلى أن يهلك الله عدوهم على غير أيديهم.
فسخط الله ذلك منهم وعاقبهم بأن لا يدخل الأرض المقدّسة أحد من ذلك الجيل إلا كالبا ويوشع. وإنما يدخلها أبناؤهم والجيل الّذي بعدهم، فأقاموا كذلك أربعين سنة في برية سينا وفاران، يتردّدون حوالي جبال الشراة، وأرض ساعير، وأرض بلاد الكرك والشوبك، وموسى صلوات الله عليه بين ظهرانيهم يسأل الله لطفه بهم ومغفرته ويدفع عنهم مهالك سخطه، وشكوا الجوع، فبعث الله لهم المنّ حبات بيض منتشرة على الأرض مثل ذرير الكزبرة، فكانوا يطحنونه ويتخذون منه الخبز لأكلهم. ثم قرموا إلى اللحم فبعث لهم السلوى طيرا يخرج من البحر، وهو طير السماني، فيأكلون منه، ويدّخرون ثم طلبوا الماء، فأمر أن يضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، وأقاموا على ذلك ثم ارتاب واحد منهم اسمه فودح بن