وفد اختلف في كيرش الّذي ردّ بني إسرائيل الى القدس من هو بعد اتفاقهم على أنه من الفرس، فقيل هو يستاسب ولم يكن ملكا وإنما كان مملكا على خوزستان وأعمالها من قبل كيقوس وبنجسون بن سياوش ولهراسب من بعدهما، وكان عظيم الشأن ولم يكن ملكا. وقيل إنّ كيرش هو ابن احشوارش بن جاماسب بن لهراسب، وأبوه أحشوارش هذا الّذي بعثه بهمن. ولما رجع من ذلك الفتح بعثه الى ناحية الهند والسند وانصرف الى حصن الأبر فولاه بابل وتزوج من سبي بني إسرائيل ابنة أبي حاويل الرّحا وأخت مردخاي من الرضاع، وهو من أنبياء بني إسرائيل. فتزعم النصارى انها ولدت عند حيرا حوارس إلى بابل ابنه كيرش هذا فحضنه مردخاي ولقنه دين اليهودية، ولزم سائر أنبيائهم مثل متنيا وعازريا وميثائل وعزيز. وولي دانيال احكام دولته، وجعل إليه أمره وأذن له أن يخرج ما في الخزائن من السبي والذخائر والآنية ويردّه إلى مكانه ويقوم في بناء القدس فعمره. وراجعه بنو إسرائيل وسأله هؤلاء الأنبياء أن يرجعوا إلى بيت المقدس فمنعهم اغتباطا بمكانهم.
وقيل إنّ كيرش هو كيرش بن كيكو بن غليم بن سام، وهو الّذي كنا قدمنا أن بهمن بعثه مع قائده بخت نصّر الى فتح بيت المقدس، وأنّ بختمرس ملكه بهمن على بابل، وكان يسمى بختمرسي كما ذكرنا، فملكها وملك ابنه من بعده ثلاثا وعشرين سنة، ثم ابنه بلتنصر سنة واحدة، ثم بلغ بهمن سوء سيرته فعزله وولّى على بابل داريوش ألماذة بن ماداي، ثم عزله وولى كيرش بن كيكو، وكتب إليه بهمن بان يرفق ببني إسرائيل ويحسن ملكتهم وأن يردهم إلى أرضهم ويولي عليهم من يختارونه، ففعل، فاختاروا دانيال من أنبيائهم فولّاه. وقيل وهو لعلماء بني إسرائيل انّ بلتنصر حافد بخت نصّر وهو ملك بابل والكلدانيين، وأنّ دارا ويسمى داريوش ملك ماري، وكورش وهو كيرش ملك فارس، كان في طاعته فانتقضا عليه، وخرج إليهم في العساكر فانهزم أوّلا، ثم بعث عساكره وقواده إليهم فهزمهم ثم قتله خادمه على فراشه. ولحق بداريوش وكورش وزحفا إلى بابل فغلبا الكلدانيين عليها، واختص دارا وقومه مادي وأظنهم الديلم ببابل ونواحيها. واختص كورش وقومه فارس بسائر الأعمال والكور، وكان كورش نذر ببناء بيت المقدس واطلاق الجالية ورد الآنية، ثم هلك دارا وانفرد كورش بالملك على فارس ومادي ووفى بنذره هذا محصل الخلاف في بخت نصّر وكيرش والله أعلم.