أسخطه عليهما ثانية واعتقلهما، وأمضى بهما في بعض أسفاره مقيّدين. ونكر ذلك بعض أهل الدولة فدس أنظفتر إلى أبيه المنكر عليّ من المدبّرين عليك، وقد ضمن لحجامك الإسكندر مالا على قتلك. فأنزل هيردوس بهما العقاب ليتكشف الخبر، ونمي بأنّ ذلك الرجل معه ولذعه العقاب وأقرّ على نفسه وقتل هو وأبوه والحجّام، ثم قتل هيردوس ولديه وصلبهما على مصطبة. وكان لابنه الإسكندر ولدان من بنت أرسلاوش ملك كفتور وهما كوبان والإسكندر، ولابنه أرستبلوس ثلاثة من الولد:
أعرباس وهيردوس وأستروبلوس. ثم ندم هيردوس على قتل ولديه، وعطف على أولادهما فزوّج كوبان بن الإسكندر بابنة أخيه قدودا وزوّج ابنة ابنه أرستبلوس من ابن ابنه أنظفتر، وأمر أخاه قدودا وابنه أنظفتر بكفالتهما والإحسان اليهم، فكرها ذلك واتفقا على فسخه وقتل هيردوس متى أمكن.
وبعث هيردوس ابنه أنظفتر إلى أوغسطس قيصر، ونما الخبر إليه بأنّ أخاه قدودا يريد قتله، فسخطه وأبعده وألزمه بيته. ثم مرض قدودا واستبدّ أخاه هيردوس ليعوده فعاده ثم مات، فحزن عليه ثم حزن باستكشاف ما نمي إليه، فعاقب جواريه، فأقرّت إحداهما بأن أنظفتر وقدودا كانا يجتمعان عند رسيس أمّ أنظفتر يدبّران على قتل هيردوس على يد خازن أنظفتر، فأقرّ بمثل ذلك وأنه بعث على السم من مصر وهو عند امرأة قدودا، فأحضرت فأقرت بأنّ قدودا أمرها عند موته بإراقته، وأنها أبقت منه قليلا يشهد لها إن سئلت. فكتب هيردوس الى ابنه أنظفتر بالقدوم، فقدم مستريبا بعد أن أجمع على الهروب، فمنعه خدم أبيه. ولما حضر جمع له الناس في مشهد وحضر رسول أغسطس وقدم كاتبه نيقالوس. وكان يحب أولاد هيردوس المقتولين ويميل إليهما عن أنظفتر، فدفع يخاصمه حتى قامت عليه الحجة وأحضر بقية السمّ وجرّب في بعض الحيوانات فصدق فعله، فحبس هيردوس ابنه أنظفتر حتى مرض وأشرف على الموت، وأسف على ما كان منه لأولاده فهمّ بقتل نفسه، فمنعه جلساؤه وأهله، وسمع من القصر البكاء والصراخ لذلك، فهمّ أنظفتر بالخروج من محبسه ومنع، وأخبر هيردوس بذلك وأمر بقتله في الوقت فقتل. ثم هلك بعده لخمسة أيام ولسبعين سنة من عمره وخمس وثلاثين من ملكه.
وعهد بالملك لابنه أركلاوش وخرج كاتبه نيقالوس فجمع الناس وقرأ عليهم العهد وأراهم خاتم هيردوس عليه، فبايعوا له وحمل أباه إلى قبره على سرير من الذهب