بن داود، لأنهم لما رجعوا إلى القدس باذن كورش عين لهم مقدار البيت لا يتجاوزونه، فلم يتمّ على حدود سليمان، ولما اعتزم على ذلك ابتدأ أولا بإحضار الآلات مستوفيات خشية أن يحصل الهدم وتطول المدّة وتعرض القواطع والموانع. فأعدّ الآلات وأكمل جمعها في ست سنين، ثم جمع الصنّاع للبناء وما يتعلق به فكانوا عشرة آلاف، وعين ألفا من الكهنة يتولّون القدس الأقدس الّذي لا يدخله غيرهم.
ولما تمّ له ذلك شرع في الهدم فحصل لا قرب وقت، ثم بنى البيت على حدوده وهيئته أيام سليمان وزاد في بعض المواضع على ما اختاره ووقف عليه نظره، فكمل في ثمان سنين. ثم شرع في الشكر للَّه تعالى على ما هيّأ له من ذلك فقرّب القربان واحتفل في الولائم وإطعام الطعام، وتبعه الناس في ذلك أياما فكانت من محاسن دولته.
قال ابن كريّون: ثم ابتلاه الله بقتل أولاده وكان له ولدان من مريم بنت الإسكندرة قتيلة السم، أحدهما الإسكندر والآخر ارستبلوس، وكانا عند قتل أمهما غائبين برومة يتعلمان خط الروم، فلما وصلا وقد قتل أمّهما حصلت بينه وبينهما الوحشة، وكان له ولد آخر اسمه انظفتر على اسم جدّه، وكان قد أبعد أمّه راسيس لمكان مريم، فلما هلكت واستوحش من ولدها لطلب محل راسيس منه، قدم ابنها أنظفتر وجعله وليّ عهده، وأخذ في السعاية على اخوته خشية منهما بأنهما يرومان قتل أبيهما فانحرف عنهما. واتفق أن سار الى أوغسطس قيصر ومعه ابنه إسكندر، فشكاه عنده وتبرأ الإسكندر وحلف على براءته، فأصلح بينهما قيصر ورجع إلى القدس. وقسم القدس بين ولده الثلاثة، ووصاهم ووصى الناس بهم، وعهد أن لا يخالطوهم خشية مما يحدث عن ذلك، وأنظفتر مع ذلك متماد على سعايته بهما وقد داخل في ذلك عمه قدودا وعمته سلومنت، فأغروا أباه بأخويه المذكورين حتى اعتقلهما. وبلغ الخبر أرسلاوش ملك كفتور، وكانت بنته تحت الإسكندر، منهما فجاء إلى هيردوس مظهرا السخط على الإسكندر والانحراف عنه وتحيّل في إظهار جراءتهما، وأطلعه على جلية الحال وسعاية أخيه وأخته، فانكشف له الأمر وصدّقه وغضب على أخيه قدودا، فجاء إلى أرسلاوش وأحضره عند هيردوس حتى أخبره بمصدوقيّة الحال، ثم شفعه فيه وأطلق ولديه ورضي عنهما، وشكر لأرسلاوش من تلطفه في تلافي هذا الأمر وانصرف إلى بلده.
ولم ينف ذلك أنظفتر عن تدبيره عليهما، وما زال يغري أباه ويدسّ له من يغريه حتى