للعداوة والثقة بعفة الزوجة. ثم جرى منها في بعض الأيام وهو في سبيل استمالتها عتاب فيما أسرّ إلى سوما وزوج أخته، فقويت عنده الظّنّة بهم جميعا وأن مثل هذا السرّ لم يكن إلّا لأمر مريب، وأخذ في إخفائها وإقصائها ودسّت عليه أخته بعض النساء تحدّثه بأنّ زوجته داخلته في أن تستحضر السّمّ وأحضره فجرّب وصح وقتل للحين صهره يوسف وصاحبه سوما، واعتقل زوجته ثم قتلها وندم على ذلك، ثم بلغه عن أمّها الاسكندرة مثل ذلك فقتلها. وولّى على أروم مكان صهره رجلا منهم اسمه كرسّوس وزوجته أخته، فسار إلى عمله وانحرف عن دين التوراة والإحسان الّذي حملهم عليه هرقانوس، وأباح لهم عبادة صنمهم وأجمع الخلاف، وطلق أخت هيردوس فسعت به إلى أخيها وخبرته بأحواله وأنه آوى جماعة من بني حشمناي المرشحين للملك منذ اثني عشر سنة. فقام هيردوس في ركائبه، وبحث عنه فحضر وطالبه ببني حشمناي الّذي عنده، فأحضرهم فقتله وقتلهم، وأرهف حدّه وقتل جماعة من كبار اليهود ومقدميهم، أتمهم بالإنكار عليه. فأذعن له الناس واستفحل ملكه وأهمل المراعاة لوصايا التوراة وعمل في بيت المقدس سورا واتخذ منتزه لعب، وأطلق فيه السباع ويحمل بعض الجهلة على مقابلتها فتفترسهم، فنكر الناس ذلك وأعمل أهل الدولة الحيلة في قتله فلم تتم لهم، وكان يمشي متنكرا للتجسس على أحوال الناس، فعظمت هيبته في النفوس.
وكان أعظم طوائف اليهود عنده الربّانيون بما تقدّم لهم في ولايته، وكان لطائفة العبّاد من اليهود المسمى بالحيسيد مكانة عنده أيضا، كان شيخهم مناحيم لذلك العهد محدثا وكان حدثه وهو غلام بمصير الملك له، وأخبره وهو ملك بطول مدّته في الملك فدعا له ولقومه. وكان كلفا ببناء المدن والحصون، ومدينة قيسارية من بنائه. ولما حدثت في أيامه المجاعة شمّر لها وأخرج الزرع للناس وبثه فيهم بيعا وهبة وصدقة، وأرسل في الميرة من سائر النواحي، وأمر قيصر في سائر تخومه وفي مصر ورومة أن يحملوا الميرة إلى بيت المقدس، فوصلت السفن بالزرع إلى ساحلها من كل جهة.
وأجرى على الشيوخ والأيتام والأرامل والمنقطعين كفايتهم من الخبز، وعلى الفقراء والمساكين كفايتهم من الحنطة، وفرّق على خمسين ألفا قصدوه من غير ملّته، فرفعت المجاعة وارتفع له الذكر والثناء الجميل.
قال ابن كريّون: ولما استفحل ملكه وعظم سلطانه أراد بناء البيت على ما بناه سليمان