العسكر واستدعى هيردوس فجاءه وبعثه إلى قتال العرب، وكانوا خالفوا عليه، فمضى هيردوس لذلك ومعه أنيثاون قائد كلوبطرة، وقد دست له أن يجرّ الهزيمة على هيردوس ليقتل ففعل. وثبت هيردوس وتخلص من المعترك بعد حروب صعبة هلك فيها بين الفريقين خلق كثير.
ورجع هيردوس إلى بيت المقدس فصالح جميع الملوك والأمم المجاورين له، وامتنع العرب من ذلك فسار إليهم وحاربهم، ثم استباحهم بعد أيام ومواقف بذلوا وجمعوا له الأموال وفرض عليهم الخراج في كل سنة ورجع. وكان أنطيانوس لما بعثه إلى العرب سار هو إلى رومة وكانت بينه وبين أغسطس قيصر حروب هزمه قيصر في آخرها وقتله، وسار إلى مصر فخافه هيردوس على نفسه لما كان منه في طاعة أنطيانوس وموالاته، ولم يمكنه التخلف عن لقائه. فأخرج خدمه من القدس فبعث بأمّه وأخته إلى قلعة الشّراة لنظر أخيه فرودا، وبعث بزوجه مريم وأمها الإسكندرة إلى حصن الإسكندرونة لنظر زوج أخته يوسف ورجل آخر من خالصته من أهل صور اسمه سوما وعهد إليهما بقتل زوجته وأمّها إن قتله قيصر.
ثم حمل معه الهدايا وسار الى أوغسطس قيصر وكان تحقد له صحبة أنطيانوس، فلما حضر بين يديه عنّفه وأزاح التاج عن رأسه وهمّ بعقابه، فتلطف هيردوس في الاعتذار، وأنّ موالاته لأنطيانوس إنما كان لما أولى من الجميل في السعاية عند الملك وهي أعظم أياديه عندي، ولم تكن موالاتي له في عداوتك ولا في حربك ولو كان ذلك وأهلكت نفسي دونه كنت غير ملوم، فإن الوفاء شأن الكرام. فإن أزلت عني التاج فما أزلت عقلي ولا نظري، وإن أبقيتني فأنا محل الصنيعة والشكر. فانبسط أوغسطس لكلامه وتوّجه كما كان، وبعثه على مقدّمته إلى مصر، فلما ملك مصر وقتل كلوبطرة وهب لهيردوس جميع ما كان أنطيانوس أعطاها إياه ونفل. فأعاد هيردوس إلى ملكه ببيت المقدس وسار إلى رومية.
قال ابن كريّون: ولما عاد هيردوس الى بيت المقدس أعاد حرمه من أماكنهنّ، فعادت زوجته مريم وأمّها من حصن الإسكندرونة وفي خدمتها يوسف زوج أخته وسوما الصوري وقد كانا حدّثا المرأة وأمّها بما أسر إليهما هيردوس، وقد كان سلف منه قتل هرقانوس وأرستبلوس فشكرتا له. وبينما هو آخذ في استمالة زوجته إذ رمتها أخته بالفاحشة مع سوما الصوري في ملاحاة جرت بينهما، ولم يصدّق ذلك هيردوس