وكان أغرباس حسن السيرة معظما عند القياصرة وهلك لثلاث وعشرين سنة من دولته. وملك بعده ابنه أغرباس بأمر اليهود وملك عشرين سنة، وكثرت الحروب والفتن في أيامه في بلاد اليهود والأرمن، وظهرت الخوارج والمتغلبون، وانقطعت السبل وكثر الهرج داخل المدينة في القدس. وكان الناس يقتل بعضهم بعضا في الطرقات يحملون سكاكين صغار محدّين لها فإذا ازدحم مع صاحبه في الطريق طعنه فأهواه حتى صاروا يلبسون الدروع لذلك، وخرج كثير من الناس عن المدينة فرارا من القتل. وهلك ولد طبريانوس قيصر ونيروش من بعده، وملك على الروم فيلقوس قيصر فسعى بعض الشرار عنده بأنّ هؤلاء الذين خرجوا من القدس يذمّون على الروم، فبعث إليهم من قتلهم وأسرهم.
واشتدّ البلاء على اليهود وطالت الفتن فيهم، وكان الكهنون الكبير فيهم لذلك العهد عنّاني، وكان له ابن اسمه العازار وكان ممن خرج من القدس وكان فاتكا مصعلكا، وانضم إليه جماعة من الأشرار، وأقاموا يغيرون على بلاد اليهود والأرمن وينهبون ويقتلون، وشكتهم الأرمن إلى فيلقوس قيصر، فبعث من قيده وحمله وأصحابه إلى رومة، فلم يرجع الى القدس إلّا بعد حين.
واشتدّ قائد الروم ببيت المقدس على اليهود وكثر ظلمه فيهم، فأخرجوه عنهم بعد أن قتلوا جماعة من أصحابه، ولحق بمصر فلقي هنالك أغرباس ملك اليهود راجعا من روميّة ومعه قائدان من الروم، فشكى إليه فيلقوس بما وقع من اليهود، ومضى إلى بيت المقدس فشكى إليه اليهود بما فعل فيلقوس وأنهم عازمون على الخلاف، وتلطف لهم في الإمساك عن ذلك حتى تبلغ شكيتهم إلى قيصر ويعتذر منه، فامتنع العازار بن عنّاني وأبى إلا المخالفة، وأخرج القربان الّذي كان بعثه معه نيروش قيصر من البيت، ثم عمد إلى الروم الذين جاءوا مع أغرباس فقتلهم حيث وجدوا، وقتل القائدين. ونكر ذلك أشياخ اليهود واجتمعوا لحرب العازر وبعثوا إلى أغرباس، وكان خارج القدس، فبعث إليهم بثلاثة آلاف مقاتل، فكانت الحرب بينهم وبين العازار سجالا، ثم هزمهم وأخرجهم من المدينة، وعاث في البلد وخرّب قصور الملك ونهبها وأموالها وذخائرها، وبقي أغرباس والكهنونة والعلماء والشيوخ خارج المقدس. وبلغهم أنّ الأرمن قتلوا من وجدوه من اليهود بدمشق ونواحيها وبقيساريّة، فساروا إلى بلادهم وقتلوا من وجدوه بنواحي دمشق من الأرمن. ثم