سار أغرباس إلى قيرش قيصر وخبّره الخبر فامتعض لذلك، وبعث إلى كسنينا وقائده على الأرمن، وقد كان مضى إلى حرب الفرس فدوّخها وقهرهم، وعاد إلى بلاد الأرمن فنزل دمشق فجاءه عهد قيصر بالمسير مع أغرباس ملك اليهود إلى القدس، فجمع العساكر وسار وخرّب كل ما مرّ عليه. ولقيه العازار الثائر بالقدس فانهزم ورجع، ونزل كسنينا وقائد الروم فأثخن فيهم، وارتحل كسنينا إلى قيساريّة، وخرج اليهود في اتباعهم فهزموهم، ولحق كسنينا وأغرباس بقيصر قيرش، فوافقوا وصول قائده الأعظم اسبنانوس [١] عن بلاد الغرب، وقد فتح الأندلس ودوّخ أقطارها فعهد إليه قيرش قيصر بالمسير إلى بلاد اليهود وأمره أن يستأصلهم ويهدم حصونهم.
فسار ومعه ابنه طيطوش وأغرباس ملك اليهود، وانتهوا إلى أنطاكية، وتأهب اليهود لحربهم، وانقسموا ثلاث فرق في ثلاث نواحي مع كل فرقة كهنون، فكان عناني الكهنون الأعظم في دمشق ونواحيها، وكان ابنه العازر كهنون بلاد أروم وما يليها إلى أيلة، وكان يوسف بن كريّون كهنون طبريّة وجبل الخليل وما يتصل به، وجعلوا فيما بقي من البلاد من الأغوار الى حدود مصر من يحفظها من بقية الكهنونيّة. وعمّر كل منهم أسوار حصونه ورتب مقاتلته.
وسار اسبنانوس بالعساكر من أنطاكية فتوسط في بلاد الأرمن وأقام، وخرج يوسف بن كريّون من طبرية فحاصر بعض الحصون بناحية الأغرباس ففتحه واستولى عليه، وبعث أهل طبريّة من ورائه إلى الروم فاستأمنوا إليهم، فزحف يوسف مبادرا وقتل من وجد فيها من الروم، وقبل معذرة أهل طبرية، وبلغه مثل ذلك عن جبل الخليل فسار إليهم وفعل فيهم فعله في طبرية. فزحف اليه اسبنانوس من عكّا في أربعين ألف مقاتل من الروم ومعه أغرباس ملك اليهود وسارت معهم الأمم من الأرمن وغيرهم، إلا أروم فإنّهم كانوا حلفاء لليهود منذ أيام هرقانوس. ونزل أسبنانوس بعساكره على يوسف بن كريّون ومن معه بطبريّة فدعاهم الى الصلح، فسألوا الإمهال إلى مشاورة الجماعة بالقدس، ثم امتنعوا وقاتلهم أسبنانوس بظاهر الحصن، فاستلمهم حتى قل عددهم، وأغلقوا الحصن فقطع عنهم الماء خمسين ليلة، ثم بيّتهم الروم فاقتحموا عليهم الحصن فاستلحموهم، وأفلت يوسف بن كريّون ومن معه من الفل فامتنعوا ببطن الأعراب، وأعطاهم أسبنانوس الأمان، فمال إليه يوسف وأبى القوم إلّا أن