الرؤساء بقيتهم، ثم باكرهم طيطش بالقتال من الغد فانهزموا الأقداس [٢] وملك الروم المسجد وصحنه.
واتصلت الحرب أياما وهدمت الأسوار كلها وثلم سور الهيكل، وأحاط العساكر بالمدينة حتى مات أكثرهم وفرّ كثير. ثم اقتحم عليهم الحصن فملكه ونصب الأصنام في الهيكل ومنع من تخريبه. ونكر رؤساء الروم ذلك ودسّوا من اضرم النار في أبوابه وسقفه، وألقى الكهنونة أنفسهم جزعا على دينهم وحزنوا، واختفى شمعون ويوحنّان في جبل صهيون، وبعث إليهم طيطش بالأمان فامتنعوا وطرقوا القدس في بعض الليالي، فقتلوا قائدا من قواد العسكر ورجعوا إلى مكان اختفائهم. ثم هرب عنهم أتباعهم وجاء يوحنّان ملقيا بيده إلى طيطش فقيده، وخرج إليه يوشع الكوهن بآلات من الذهب الخالص من آلات المسجد فيها منارتان ومائدتان، ثم قبض على فنحاس خازن الهيكل، فأطلعه على خزائن كثيرة مملوءة دنانير ودراهم وطيبا فامتلأت يده منها، ورحل عن بيت المقدس بالغنائم والأموال والأسرى، وأحصى الموتى في هذه الوقعة. قال ابن كريّون: فكان عدد الموتى الذين خرجوا على الباب للدفن بأخبار مناحيم الموكل به مائة ألف وخمسة وعشرون ألفا وثمانمائة. وقال غير مناحيم كانت عدّتهم ستمائة ألف دون من ألقي في الآبار، أو طرح إلى خارج الحصن وقتل في الطرقات ولم يدفن. وقال غيره كان الّذي أحصي من الموتى والقتلى ألف ألف ومائة ألف والسبي والأسارى مائة ألف، كان طيطش في كل منزلة يلقي منهم إلى السباع إلى أن فرغوا. وكان فيمن هلك شمعون أحد الخوارج الثلاثة.
وأمّا الفرّار بن عفّان فقد كان خرج من القدس عند ما قتل شمعون أمتاي الكوهن كما ذكرنا، فلما رحل طيطش عن القدس نزل في بعض القرى وحصّنها واجتمع إليه فل اليهود، واتصل الخبر بطيطش وهو في انطاكية، فبعث إليه عسكرا من الروم مع قائده سلياس فحاصرهم أياما، ثم نهض الكهنونة وأولادهم وخرجوا إلى الروم مستميتين، فقاتلوا إلى أن قتلوا عن آخرهم. وأما يوسف بن كريّون فافتقد أهله وولده في هذه الوقائع ولم يقف لهم بعدها على خبر وأراده طيطش على السكنى عنده برومة، فتضرّع اليه في البقاء بأرض القدس، فأجابه إلى ذلك وتركه. وانقرضت دولة اليهود أجمع، والبقاء للَّه وحده سبحانه وتعالى لا انقضاء لملكه..