السور الثاني فثلمه، وتذامر اليهود فمنعوهم عنه ومكثوا كذلك أربعة أيام.
وجاء المدد من الجهات إلى طيطش ولاذ اليهود بالأسوار وأغلقوا الأبواب، ورفع طيطش الحرب ودعاهم إلى المسالمة، فامتنعوا. فجاء بنفسه في اليوم الخامس وخاطبهم ودعاهم وجاء معه يوسف بن كريّون فوعظهم ورغبهم في أمنة الروم ووعدهم، وأطلق طيطش أسراهم فجنح الكثير من اليهود إلى المسالمة، ومنعهم هؤلاء لرؤساء الخوارج، وقتلوا من يروم الخروج إلى الروم، ولم يبق من المدينة ما يعصمهم إلّا السور الثالث.
وطال الحصار واشتدّ الجوع عليهم والقتل، ومن وجد خارج المدينة لرعي العشب قتله الروم وصلبوه، حتى رحمهم طيطش ورفع القتل عمن يخرج في ابتغاء العشب. ثم زحف طيطش إلى السور الثالث من أربع جهاته ونصب الآلات، وصبر اليهود على الحرب وتذامر اليهود وصعب الحرب وبلغ الجوع في الشدّة غايته، واستأمن متاي الكوهن إلى الروم وهو الّذي خرج في استدعاء شمعون، فقتله شمعون وقتل بنيه وقتل جماعة من الكهنونيّة والعلماء والأئمة ممن حذر منه أن يستأمن. ونكر ذلك العازر بن عنّاني ولم يقدر على أكثر من الخروج من بيت المقدس. وعظمت المجاعة فمات أكثر اليهود، وأكلوا الجلود والخشاش [١] والميتة، ثم أكل بعضهم بعضا، وعثر على امرأة تأكل ابنها، فأصابت رؤساؤهم لذلك رحمة، وأذنوا في الناس بالخروج، فخرجت منهم أمم وهلك أكثرهم حين أكلوا الطعام، وابتلع بعضهم في خروجه ما كان له من ذهب أو جوهر ضنة به، وشعر بهم الروم فكانوا يقتلونهم ويشقون عنها بطونهم، وشاع ذلك في توابع العسكر من العرب والأرمن فطردهم طيطش.
وطمع الروم في فتح المدينة وزحفوا إلى سورها الثالث بالآلات ولم يكن لليهود طاقة بدفعها وإحراقها فثلموا السور، وبنى اليهود خلف الثلمة فأصبحت منسدة، وصدمها الروم بالكبش فسقطت من الحدة، واستماتوا في تلك الحال إلى الليل. ثم بيت الروم المدينة وملكوا الأسوار عليهم وقاتلوهم من الغد فانهزموا الى المسجد، وقاتلوا في الحصن، وهدم طيطش البناء ما بين الأسوار إلى المسجد ليتسع المجال. ووقف ابن كريّون يدعوهم إلى الطاعة فلم يجيبوا، وخرج جماعة من الكهنونية فأمنهم ومنع