ماؤهما فيملآن من أقرب المياه. فمضت مريم يوما وتخلف عنها يوسف، ودخلت المغارة التي كانت تعهد أنها للورد، فتمثّل لها جبريل بشرا، فذهبت لتجزع، فقال لها «إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا ١٩: ١٩» فاستسقاها. وعن وهب بن منبه أنه نفخ في جيب درعها فوصلت النفخة إلى الرحم، فاشتملت على عيسى، فكان معها ذو قرابة يسمى يوسف النجّار، وكان في مسجد بجبل صهيون، وكان لخدمته عندهم فضل، وكانا يجمرانه ويقمانه. وكانا صالحين مجتهدين في العبادة، ولما رأى ما بها من الحمل استعظمه وعجب منه لما يعلم من صلاحها وأنها لم تغب قط عنه، ثم سألها فردّت الأمر إلى قدرة الله، فسكت وقام بما ينو بها من الخدمة. فلما بان حملها أفضت بذلك إلى خالتها إيشاع، وكانت أيضا حبلى بيحيى، فقالت لها اني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك. ثم أمرت بالخروج من بلدها خشية أن يعيرها قومها ويقتلوا ما في بطنها، فاحتملها يوسف إلى مصر وأخذها المخاض في طريقها، فوضعته كما قصّة القرآن، واحتملته على الحمار، وأقامت تكتم أمرها من الناس وتتحفظ به، حتى بلغ اثنتي عشرة سنة وظهرت عليه الكرامات، وشاع خبره، فأمرت أن ترجع به إلى إيلياء فرجعت. وتتابعت عنه المعجزات وانثال الناس عليه يستشفون ويسألون عن الغيوب.
قال الطبريّ: وفي خبر السدّي أنّها إنّما خرجت من المسجد لحيض أصابها، فكان نفخ الملك، وأنّ إيشاع خالتها التي سألتها عن الجمل وناظرتها فيه فحجتها بالقدرة، وأنّ الوضع كان في شرقي بيت لحم قريبا من بيت المقدس وهو الّذي بنى عليه بعض ملوك الروم البناء الهائل لهذا العهد.
قال ابن العميد مؤرخ النصارى: ولد لثلاثة أشهر من ولادة يحيى بن زكريا، ولإحدى وثلاثين من دولة هيردوس الكبر، ولاثنتين وأربعين من ملك أوغسطس قيصر.
وفي الإنجيل أنّ يوسف تزوّجها ومضى بها ليكتم أمرها في بيت لحم، فوضعته هنالك ووضعته في مذود لأنها لم يكن لها موضع نزل. وأنّ جماعة من المجوس بعثهم ملك الفرس يسألون أين ولد الملك العظيم؟ وجاءوا الى هيردوس يسألونه وقالوا جئنا لنسجد له، وحدّثوه بما أخبر الكهان وعلماء النجوم من شأن ظهوره، وأنه يولد ببيت لحم من ابن سنتين فما دونها. وسمع اوغسطس قيصر بخبر المجوس فكتب إلى هيردوس يسأله،