للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الإيمان باللَّه وصفاته، وحاش للَّه وللمسيح وللحواريّين أن يذهبوا إليه، وهو معتقدهم التثليث. وإنما حملهم عليه ظواهر من كلام المسيح في الإنجيل لم يهتدوا إلى تأويلها، ولا وقفوا على فهم معانيها، مثل قول المسيح حين صلب بزعمهم: أذهب إلى أبي وأبيكم. وقال: افعلوا كذا وكذا من البر لتكونوا أبناء أبيكم في السماء وتكونوا تامّين، كما أنّ أباكم الّذي في السماء تامّ. وقال له في الإنجيل إنّك أنت الابن الوحيد. وقال له شمعون الصفا إنك ابن الله حقا. فلما أثبتوا هذه الأبوة من ظاهر هذا اللفظ زعموا أنّ عيسى ابن مريم من أب قديم، وكان اتصاله بمريم تجسد كلمة منه مازجت جسد المسيح وتدرعت به، فكان مجموع الكلمة والجسد ابنا، وهو ناسوت كلي قديم أزلي، وولدت مريم إلها أزليا والقتل والصلب وقع على الجسد والكلمة، ويعبرون عنهما بالناسوت واللاهوت.

وأقاموا على هذه العقيدة ووقع بينهم فيها اختلاف، وظهرت مبتدعة من النصرانية اختلفت أقوالهم الكفرية، كان من أشدّهم ابن دنصان، ودافعهم هؤلاء الأساقفة والبطاركة عن معتقدهم الذين كانوا يزعمونه حقّا، وظهر يونس الشميصانيّ بطرك انطاكية بعد حين أيام افلوديس قيصر، فقال بالوحدانية ونفى الكلمة والروح، وتبعه جماعة على ذلك. ثم مات فردّ الأساقفة مقالته وهجروها ولم يزالوا على ذلك إلى أيام قسطنطين بن قسطنطين، فتنصّر ودخل في دينهم. وكان باسكندرية أسكندروس البطرك وكان لعهده أريوش [١] من الأساقفة، وكان يذهب الى حدوث الابن وأنه إنما خلق الخلق بتفويض الأب إليه في ذلك، فمنعه إسكندروس الدخول إلى الكنيسة وأعلم أن إيمانه فاسد، وكتب بذلك إلى سائر الأساقفة والبطاركة في النواحي. وفعل ذلك بأسقفين آخرين على مثل رأي أريوش، فدفعوا أمرهم إلى قسطنطين وأحضرهم جميعا لتسع عشرة من دولته، وتناظروا. ولما قال أريوش: إنّ الابن حادث وأنّ الأب فوّض إليه بالخلق. وقال الإسكندروس: بالخلق استحق الألوهية، فاستحسن قسطنطين قوله وأذن له أن يشيد بكفر أريوش.

وطلب الإسكندروس باجتماع النصرانية لتحرير المعتقد الإيماني، فجمعهم قسطنطين وكانوا ألفين وثلاثمائة وأربعين أسقفا وذلك في مدينة نيقية، فسمي المجتمع مجتمع نيقية، وكان رئيسهم الإسكندروس بطرك إسكندرية، وأسطانس بطرك أنطاكية،


[١] وفي نسخة اخرى أريوس.

<<  <  ج: ص:  >  >>