العرب وكانت بيوتهم على ريف العراق ينزلون الحيرة، وكانوا ثلاث فرق: الأولى تنوخ ومنهم قضاعة الذين كنا قدّمنا أنهم كانوا اقتتلوا مع ملك من التبابعة وأتى بهم وكانوا يسكنون بيوت الشعر والوبر ويضعونها غربي الفرات بين الأنبار والحيرة وما فوقها فأنفوا من الإقامة في مملكة أردشير وخرجوا إلى البرية، والثانية العبّاد الذين كانوا يسكنون الحيرة وأوطنوها، والثالثة الأحلاف الذين نزلوا بهم من غير نسبهم ولم يكونوا من تنوخ الناكثين عن طاعة الفرس ولا من العبّاد الذين دانوا بهم. فملك هؤلاء الأحلاف الحيرة والأنبار وكان منهم عمرو بن عديّ وقومه، فعمّروا الحيرة والأنبار ونزلوا وخربوها وكانتا من بناء العرب أيام بخت نصّر، ثم عمرها بنو عمرو بن عديّ لما أصاروها نزلا [١] لملكهم إلى أن صبحهم الإسلام، واختط العرب الإسلاميون مدينة الكوفة فدثرت الحيرة.
وكان أردشير لمّا ملك أسرف في قتل الأشكانية حتى أفناهم لوصية جدّه، ووجد بقصر أردوان جارية استملحها ودفعت عن نفسها القتل بإنكار نسبها فيهم، فقالت أنا مولاة وبكر، فواقعها وحملت وظنّت الأمن على نفسها، فأخبرته بنسبها فتنكّر ودفعها إلى بعض مرازبته ليقتلها، فاستبقاها ذلك المرزبان إلى أن شكى إليه أردشير قلّة الولد والخوف على ملكه من الانقطاع وندم على ما سلف منه من قتل الجارية وإتلاف الحمل، فأخبره بحياتها وأنها ولدت ولدا ذكرا وأنه سمّاه سابور وأنه قد كملت خصاله وآدابه، فاستحضره أردشير واختبره فرضيه وعقد له التاج.
ثم هلك أردشير فملك سابور من بعده فأفاض العطاء في أهل الدولة وتخيّر العمّال، ثم شخص إلى خراسان فمهد أمورها، ثم رجع فشخص إلى نصّيبين فملكها عنوة فقتل وسبى، وافتتح من الشام مدنا وحاصر أنطاكية وبها من الملوك أريانوس فاقتحمها عليه وأسره وحمله إلى جنديسابور فحبسه بها إلى أن فاداه على أموال عظيمة ويقال على بناء شاذروان تستر ويقال جدع أنفه وأطلقه ويقال بل قتله، وكان بجبال تكريت بين دجلة والفرات مدينة يقال لها الحضر وبها ملك من الجرامقة يقال له الساطرون من ملوك الطوائف وهو الّذي يقول فيه الشاعر:
وأرى الموت قد تدلى من الحضر ... على رب أهله الساطرون
ولقد كان آمنا للدّواهي ... ذا ثراء وجوهر مكنون
[١] بضم النون والزاي: المنزل، بكسر فسكون: المجتمع، وبفتح وكسر المكان الّذي ينزل فيه (قاموس) .