للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أردشير، والحيرة وسط بلاد السواد وحاضرة العرب، ولم يكن لأحد قبله من آل ساسان حتى استقام العرب على طاعته، وولّى عليهم عمرو بن عديّ جدّ آل المنذر بعده وأنزله الحيرة، فجبى خراجهم وإتاوتهم واستعبدهم لسلطانه وقبض أيديهم عن الفساد باقطار ملكه وما كانوا يرومونه بسواد العراق من نواحي مملكته. وولّى بعده ابنه امرأ القيس بن عمرو بن عديّ وصار ذلك ملكا لآل المنذر بالحيرة توارثوه حسبما نذكر بعد.

وهلك سابور لثلاثين سنة من ملكه وولي بعده ابنه هرمز ويعرف بالبطل فملك سنة واحدة، وولي بعده ابنه بهرام بن هرمز وكان عامله على مذحج من ربيعة ومضر وسائر بادية العراق والجزيرة والحجاز أمرؤ القيس بن عمرو بن عديّ وهو أوّل من تنصّر من ملوك الحيرة وطال أمد ملكه. قال هشام بن الكلبي: ملك مائة وأربع عشرة سنة من لدن أيام سابور أهـ.

وكان بهرام بن هرمز حليما وقورا وأحسن السيرة واقتدى بآبائه، وكان ماني الثنويّ الزنديق صاحب القول بالنور والظلمة قد ظهر في أيام جدّه سابور فاتبعه قليلا ثم رجع إلى المجوسية دين آبائه، ولمّا ولي بهرام بن هرمز جمع الناس لامتحانه، فأشادوا بكفره وقتله وقالوا زنديق. قال المسعودي: ومعناه أنّ من عدل عن ظاهر إلى تأويله ينسبونه إلى تفسير كتاب زرادشت الّذي قدّمنا أنّ اسمه زندة فيقولون زنديه فعرّبته العرب فقالوا زنديق، ودخل فيه كل من خالف الظاهر إلى الباطن المنكر، ثم اختص في عرف الشرع بمن يظهر الإسلام ويبطن الكفر.

ثم هلك بهرام بن هرمز لثلاث سنين وثلاثة أشهر من دولته، وولي ابنه بهرام ثماني عشرة سنة عكف أوّلها على اللذات، وامتدّت أيدي بطانته إلى الرعايا بالجور والظلم فخربت الضياع والقرى حتى نبّه الموبذان لذلك بمثل ضربه له، وذلك أنّه سامره في ليلة فمرّ راجعا من الصيد فسمعا بومين يتحدّثان في خراب، فقال بهرام ليت شعري هل أحد فهم لغات الطير؟ فقال له الموبذان: نعم إنّا نعرف ذلك أيها الملك وإنهما يتحاوران في عقد نكاح وإنّ الأنثى اشترطت عليه إقطاع عشرين ضيعة من الخراب فقبل الذكر وقال: إذا دامت أيام بهرام أقطعتك ألفا. فتفطّن بهرام لذلك وأفاق من غفلته وأشرف على أحوال ملكه مباشرا بنفسه وقابضا أيدي البطانة عن الرعية وحسنت أيامه إلى أن هلك. وولي بعده بهرام بن بهرام بن بهرام ثلاثة أسماء

<<  <  ج: ص:  >  >>